للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ويدلُّ عليه الموازنة، فلولا تعلُّقُ الثّواب والعقاب بالأعمال واقتضاؤها لها وكونُها كالأثمان لها لم يكن للموازنة معنًى. وقد قال تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: ٨ - ٩].

وهاتان الطّائفتان متقابلتان أشدَّ التّقابل، وبينهما أعظمُ التّباين.

فالجبريّة لم تجعل للأعمال ارتباطًا بالجزاء البتّة، وجوَّزَتْ أن يعذِّب الله من أفنى عمره في طاعته، وينعِّم من أفنى عمره في معصيته، وكلاهما بالنسبة إليه سواءٌ. وجوَّزَتْ أن يرفع صاحب العمل القليل على أعظمَ عملًا منه (١) وأكثر وأفضل درجاتٍ ثَمَّ (٢). والكلُّ راجعٌ إلى محض المشيئة، من غير تعليلٍ ولا سببٍ ولا حكمةٍ تقتضي تخصيصَ هذا بالثواب وهذا بالعقاب.

والقدريّة أوجبت عليه رعاية الأصلح، وجعلت ذلك كلَّه بمحض الأعمال وثمنًا لها، وأنّ وصول الثّواب إلى العبد بدون عمله فيه تنغيصٌ باحتمال منّة الصّدقة عليه بلا ثمنٍ. فقاتلهم الله! ما أجهلهم بالله وأغرَّهم به! جعلوا تفضُّلَه وإحسانَه إلى عبده بمنزلة صدقة العبد على العبد، حتّى قالوا: إنّ إعطاءه ما يعطيه أجرةً على عمله أحبُّ إلى العبد وأطيَبُ له من أن يعطيه فضلًا منه بلا عملٍ. فقابلهم الجبريّةُ أشدَّ المقابلة، ولم يجعلوا للأعمال تأثيرًا في الجزاء البتّة.

والطائفتان جائرتان منحرفتان عن الصِّراط المستقيم، الذي فطر الله عليه


(١) م، ش، ج: "عمل"، وكذا كان في الأصل ثم أصلح.
(٢) مضبوطة في ق، ج بفتح الثاء. ولم ترد في ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>