للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباده، وجاءت به الرُّسل، ونزلت به الكتب. وهو أنّ الأعمال أسبابٌ مُوصِلةٌ إلى الثّواب والعقاب، مقتضياتٌ لهما كاقتضاء سائر الأسباب لمسبَّباتها؛ وأنّ الأعمال الصّالحة من توفيق الله وفضلِه ومنِّه وصدقتِه على عبده، إن أعانه عليها، ووفَّقه لها، وخلق فيه إرادتها والقدرة عليها، وحبَّبها إليه، وزيَّنها في قلبه وكرَّه إليه أضدادها. ومع هذا، فليست بثمنٍ لجزائه وثوابه، ولا هي على قدره، بل غايتُها ــ إذا بذل العبدُ فيها نصحَه وجهدَه، وأوقعها على أكمل الوجوه ــ أن تقع شكرًا له على بعض نعمه عليه، فلو طالبه بحقِّه لبقيت عليه من الشُّكر (١) بقيّةٌ لم يقُم بها. فلذلك لو عذَّب أهلَ سماواته وأهلَ أرضه لعذَّبهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم، ولو رحِمَهم لكانت رحمتُه لهم خيرًا من أعمالهم، كما ثبت ذلك عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (٢).

ولهذا نفى النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دخول الجنّة بالعمل، كما قال: "لن يُدخِلَ أحدًا منكم الجنّةَ عملُه" (٣). وفي لفظٍ: "لن يَدخُل أحدٌ منكم الجنّةَ بعمله" (٤). وفي


(١) في ع بعده زيادة: "على تلك النعمة".
(٢) أخرجه أحمد (٢١٥٨٩) وأبو داود (٤٦٩٩) وابن ماجه (٧٧) وابن حبان (٧٢٧) وغيرهم من حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - مرفوعًا. وفي إسناده سعيد بن سنان مختلف فيه، وهو إلى الضعف أقرب، فالإسناد محتمل للتحسين. وقد صححه ابن حبان والمؤلف في "شفاء العليل" (ص ١١٣)، وأورده الحافظ في "فتح الباري" (١١/ ٢٩٦). ينظر لطرق الحديث وشواهده: "ظلال الجنة" (١/ ١٠٩ - ١١٠) وتعليق محققي "المسند" و"صحيح ابن حبان"، وتعليق محقق "مفتاح دار السعادة" (١/ ٢١ - ٢٢).
(٣) أخرجه البخاري (٦٤٦٤) ومسلم (١٨١٨) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٤) أخرجه أحمد (٧٤٧٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>