للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورسولُه أمنُّ (١). ولا نقصَ في منّة الوالد على ولده، ولا عارَ عليه في احتمالها؛ وكذلك السّيِّد على عبده. فكيف ربُّ العالمين الذي إنّما تتقلّب الخلائق في مجرَّد منّته (٢) عليهم، ومحضِ صدقته عليهم، بلا عوضٍ منهم البتّة! وإن (٣) كانت أعمالهم أسبابًا لما ينالونه من كرمه وجوده، فهو المانُّ عليهم بأن وفَّقَهم لتلك الأسباب وهداهم لها، وأعانهم عليها، وكمَّلها لهم، وقَبِلها منهم على ما فيها!

وهذا هو المعنى الذي أثبت به دخولَ الجنّة في قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: ٤٣]. فهذه باء السّببيّة ردًّا على القدريّة الجبريّة الذين يقولون: لا ارتباط بين الأعمال والجزاء، ولا هي أسبابٌ له، وإنّما غايتُها أن تكون أماراتٍ! قالوا: وليست أيضًا مطّردةً، لتخلُّف الجزاء عنها في الخير والشّرِّ، فلم يبقَ إلّا محضُ الأمر والمشيئة.

فالنُّصوصُ مبطلةٌ لقول هؤلاء، كما هي مبطلةٌ لقول أولئك. وأدلَّةُ المعقول والفطرة أيضًا تُبطل قول الفريقين، وتُبيِّن لمن له قلبٌ ولبٌّ مقدارَ قول أهل السُّنّة. وهم الفرقة الوسط المثبتون لعموم مشيئة الله وقدرته وخلقِه العبادَ وأعمالَهم، ولحكمته التّامّة المتضمِّنة ربطَ الأسباب بمسبَّباتها، وانعقادَها بها شرعًا وقدرًا، وترتُّبَها عليها عاجلًا وآجلًا.


(١) كما ورد في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم - رضي الله عنه -، أخرجه البخاري (٤٣٣٠) ومسلم (١٠٦١).
(٢) ع: "مننه"، وغيِّرت كلمة "مجرَّد" إلى "بحر".
(٣) ش: "منه البتة وإنما".

<<  <  ج: ص:  >  >>