للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالخلقُ كلُّهم عبيدُ ربوبيّته، وأهلُ طاعته وولايته عبيدُ إلهيّته. ولا يجيء في القرآن إضافةُ العباد إليه مطلقًا إلّا لهؤلاء.

وأمَّا وصفُ عبيد ربوبيّته بالعبوديّة فلا يأتي إلّا على أحد خمسة أوجهٍ:

إمّا منكَّرًا، كقوله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣].

والثّاني: معرّفًا باللّام، كقوله: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر: ٣١]، {إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر: ٤٨].

الثّالث: مقيّدًا بإشارةٍ (١) أو نحوها، كقوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ} [الفرقان: ١٧].

الرّابع: أن يُذكَروا في عموم عباده، فيندرجوا مع أهل طاعته في الذِّكر، كقوله: {أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر: ٤٦].

الخامس: أن يُذكَروا موصوفين بفعلهم، كقوله: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٣]. وقد يقال: إنّما سمَّاهم عباده إذا لم يقنطوا من رحمته، وأنابوا إليه، واتَّبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربِّهم؛ فيكونون من عبيد الإلهيَّة والطَّاعة (٢).

وإنّما انقسمت العبوديّة إلى خاصّةٍ وعامّةٍ، لأنّ أصل معنى اللّفظة: الذُّلُّ والخضوع. يقال: طريقٌ معبَّدٌ إذا كان مذلَّلًا بوطء الأقدام. وفلانٌ عبَّده


(١) ع: "بالإشارة".
(٢) وانظر: "بدائع الفوائد" (٣/ ٩٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>