للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون ظلمته للعبور عليه، والنّار يحطِمُ بعضُها بعضًا تحته، والمتساقطون فيها أضعاف أضعاف النّاجين. فينفتح في قلبه عينٌ يرى بها ذلك، ويقوم بقلبه شاهدٌ من شواهد الآخرة يريه الآخرةَ ودوامَها، والدُّنيا وسرعةَ انقضائها.

فالبصيرة: نورٌ يقذفه الله في القلب، يرى به حقيقة ما أخبرت به الرُّسل، كأنّه شاهدٌ (١) رأي عينٍ، فيتحقَّق مع ذلك انتفاعُه بما دعت إليه الرُّسل، وتضرُّره بمخالفتهم. وهذا معنى قول بعض العارفين (٢): البصيرةُ تحقُّقُ الانتفاعِ بالشّيء والتّضرُّرِ به. وقال بعضهم: البصيرة ما خلَّصَك من الحيرة (٣)، إمّا بإيمانٍ وإمّا بعيانٍ.

والبصيرة على ثلاث درجاتٍ، من استكملها فقد استكمل البصيرة: بصيرةٌ في الأسماء والصِّفات، وبصيرةٌ في الأمر والنّهي، وبصيرةٌ في الوعد والوعيد.

فالبصيرة في الأسماء والصِّفات: أن لا يتأثّر إيمانُك بشبهةٍ تعارضُ ما وصَف الله به نفسَه ووصفه به رسولُه، بل تكون الشُّبه المعارضة لذلك عنده (٤) بمنزلة الشُّبه والشُّكوك في وجود الله، فكلاهما سواءٌ في البطلان عند أهل البصائر.


(١) ع: "يشاهده".
(٢) لم أقف على اسمه، ونقله الفيروزابادي أيضًا دون عزو.
(٣) هذا التفسير لصاحب "المنازل" (ص ٦٣) كما سيأتي، وما بعده من "شرح التلمساني" (٢/ ٣٤٣).
(٤) يعني: "عند إيمانك". وفي ع: "عندك".

<<  <  ج: ص:  >  >>