للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعقد هذا: أن يشهد قلبُك الرَّبَّ تعالى مستويًا على عرشه (١)، متكلِّمًا بأمره ونهيه، بصيرًا بحركات العالم علويِّه وسفليِّه وأشخاصه وذرَّاته (٢)، سميعًا لأصواتهم، رقيبًا على ضمائرهم وأسرارهم، وأمرُ الممالك تحت تدبيره، نازلٌ من عنده وصاعدٌ إليه، وأملاكُه بين يديه تنفِّذ أوامره في أقطار الممالك؛ موصوفًا بصفات الكمال، منعوتًا بنعوت الجلال، منزَّهًا عن العيوب والنّقائص والمثال. هو كما وصف نفسَه في كتابه، وفوق ما يصفه به خلقُه. حيٌّ لا يموت، قيُّومٌ لا ينام، عليمٌ لا يخفى عليه مثقالُ ذرّةٍ في السّماوات ولا في الأرض، بصيرٌ يرى دبيب النّملة السّوداء على الصَّخرة الصَّمّاء في اللّيلة الظّلماء، سميعٌ يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللُّغات على تفنُّن الحاجات.

تمَّت كلماتُه صدقًا وعدلًا، وجلَّت صفاته أن تقاس بصفاتِ خَلقِه شبهًا ومثلًا، وتعالت ذاته أن تُشْبِهَ شيئًا من الذّوات أصلًا، ووسعت الخليقةَ أفعالُه عدلًا وحكمةً ورحمةً وإحسانًا وفضلًا.

له الخلق والأمر، وله النِّعمة والفضل، وله الملك والحمد، وله الثّناء والمجد. أوّل ليس قبله شيءٌ، آخرٌ ليس بعده شيءٌ، ظاهرٌ ليس فوقه شيءٌ، باطنٌ ليس دونه شيءٌ. أسماؤه كلُّها أسماء مدحٍ وحمدٍ وثناءٍ وتمجيدٍ، ولذلك كانت حسنى. وصفاتُه كلُّها صفاتُ كمالٍ، ونعوتُه نعوتُ جلالٍ، وأفعالُه كلُّها حكمةٌ ورحمةٌ ومصلحةٌ وعدلٌ. كلُّ شيءٍ من مخلوقاته دالٌّ عليه، ومرشدٌ لمن رآه بعين البصيرة إليه.


(١) طمس بعضهم "مستويًا على عرشه" في ش.
(٢) ع: "وذواته".

<<  <  ج: ص:  >  >>