للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يخلُق السّماواتِ والأرضَ وما بينهما باطلًا، ولا ترَكَ الإنسانَ سُدًى عاطلًا، بل خلق الخلق لقيام توحيده وعبادته، وأسبغ عليهم نعمَه ليتوسَّلوا بشكرها إلى زيادته وكرامته (١). تعرَّفَ إلى عباده بأنواع التّعرُّفات، وصرَّف لهم الآيات، ونوَّع لهم الدِّلالات؛ ودعاهم إلى محبّته من جميع الأبواب، ومدَّ بينه وبينهم من عهده أقوى الأسباب؛ فأتمَّ عليهم نعمه السّابغة، وأقام عليهم حجّته البالغة. أفاض عليهم النِّعمة، وكتب على نفسه الرَّحمة، وضمَّن الكتاب الذي كتَبَه: أنّ رحمتَه تغلِبُ غضَبَه.

وتفاوتُ النّاس في هذه البصيرة بحسب تفاوتهم في معرفةِ النُّصوص النّبويّة وفهمِها، والعلمِ بفساد الشُّبَه المخالفة لحقائقها.

وتجد أضعفَ النّاس بصيرةً أهلَ الكلام الباطل المذموم الذي ذمَّه السّلفُ، لجهلهم بالنُّصوص ومعانيها، وتمكُّنِ الشُّبه الباطلة من قلوبهم. وإذا تأمّلتَ حالَ (٢) العامَّة الذين ليسوا مؤمنين عند أكثرهم رأيتَهم أتمَّ بصيرةً منهم، وأقوى إيمانًا، وأعظم تسليمًا للوحي وانقيادًا للحقِّ (٣).

فصل

المرتبة الثّانية من البصيرة: البصيرة في الأمر والنّهي. وهي تجريده عن المعارضة بتأويلٍ أو تقليدٍ أو هوًى. فلا يقوم بقلبه شبهةٌ تعارض العلمَ بأمر الله ونهيه، ولا شهوةٌ تمنع من تنفيذه وامتثاله والأخذ به، ولا تقليدٌ يزيحه


(١) ع، ج، م: "زيادة كرامته"، وقد حاول بعضهم تغييرها في م لتوافق ما أثبت.
(٢) م، ش، ج: "حالات". وكذا كان في ق، ل، فأصلح كما أثبت.
(٣) "للحق" من ع وحدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>