للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونسبتُها إلى العلم نسبة الرُّوح إلى البدن، فهي روحُ العلم ولبُّه (١).

وصدَق - رحمه الله -، فإنّ بهذه البصيرة يتفجَّر من قلب صاحبها ينابيعُ من المعارف لا تُنال بكسبٍ ولا دراسةٍ، إن هو إلّا فهمٌ يؤتيه الله عبدًا في كتابه ودينه، على قدر بصيرته (٢).

وقوله: (وتثبِّت الإشارة). يريد بالإشارة: ما يشير إليه القوم من الأحوال والمنازلات (٣) والأذواق التي ينكرها الأجنبيُّ من السُّلوك ويثبِّتها أهل البصائر. وكثيرٌ (٤) من هذه الأمور ترد على السّالك، فإن كان له بصيرةٌ ثبَّتَتْ بصيرتُه ذلك له وحقَّقَته عنده، وعرَّفَته تفاصيله. وإن لم يكن له بصيرةٌ بل كان جاهلًا لم يعرف تفصيلَ ما يرد عليه، ولم يهتد لتثبيته.

قوله: (وتُنبت الفراسةَ). يعني أنَّ البصيرةَ تُنبِت في أرضِ القلب الفراسةَ الصّادقَة. وهي نورٌ يقذفه الله في القلب، يفرِّق به بين الحقِّ والباطل والصّادق والكاذب. قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: ٧٥]. قال


(١) انظر: "شرح التلمساني" (٢/ ٣٤٥). وسيأتي في باب المعرفة كلام مفصَّل للمؤلف في الفرق بين العلم والمعرفة.
(٢) ع: "بصيرة قلبه".
(٣) م، ش: "المنازل"، والصواب ما أثبت. والمنازلات نوعٌ من الواردات القلبية. في "الرسالة القشيرية" (ص ٢٤٦): "وكما أنَّ ما يتكلَّفه العبد من معاملات ظاهره يوجب له حلاوة الطاعات، فما ينازله العبد من أحكام باطِنه يوجب له المواجيد. فالحلاوات ثمرات المعاملات، والمواجيدُ نتائج المنازلات". وانظر الفرق بين المنزل والمنازلة في "الفتوحات المكية" (٢/ ٥٧٧).
(٤) ما عدا ع: "وكثيرًا"، غير أن بعضهم طمس الألف في ل.

<<  <  ج: ص:  >  >>