للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجاهدٌ: للمتفرِّسين (١). وفي "التِّرمذيِّ" (٢) من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: "اتَّقوا فراسة المؤمن، فإنّه ينظر بنور الله عزّ وجلّ". ثمّ قرأ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} ".

والتوسُّم: تفعُّلٌ من السِّيما (٣)، وهي العلامة، فسُمِّي المتفرِّسُ متوسِّمًا، لأنّه يستدلُّ بما يشهد على ما غاب، فيستدلُّ بالعيان على الإيمان. ولهذا خصَّ تعالى بالآيات والانتفاعِ بها هؤلاء، لأنّهم يستدلُّون بما يشاهدون منها على حقيقة ما أخبرت به الرُّسل من الأمر والنّهي والثّواب والعقاب. وقد ألهم الله تعالى ذلك لآدم عليه السلام، وعلَّمه إيّاه حين علَّمه أسماء كلِّ شيءٍ. وبنوه هم نسخته وخلفاؤه، فكلُّ قلبٍ فهو (٤) قابلٌ لذلك، وهو فيه بالقوّة، وبه تقوم الحجّة، وتحصل العبرة، وتصحُّ الدِّلالة. فبعث الله رسلَه مذكِّرين ومنبِّهين ومكمِّلين لهذا الاستعداد بنور الوحي والإيمان، فينضاف ذلك إلى نور الفراسة والاستعداد، فيصير نورًا على نورٍ، فتقوى البصيرة، ويعظُم النُّور ويدوم لزيادة مادّته ودوامها، ولا يزال في تزايدٍ حتّى يرى على الوجه والجوارح والكلام والأعمال.

ومن لم يقبل هدى الله ولم يرفع به رأسًا دخل قلبه في الغلاف والكِنان،


(١) "تفسير البغوي" (٤/ ٣٨٨).
(٢) برقم (٣١٢٧) من رواية عطيَّة العوفي ــ وهو ضعيف ــ عن أبي سعيد. قال الترمذي: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه.
وللحديث طرق وشواهد ولكنها واهية. انظر: "الضعيفة" (١٨٢١).
(٣) إن كان أصلها من الوسم لا السَّوم.
(٤) ج: "وهو". وفي ش، ع: "وكل قلب فهو".

<<  <  ج: ص:  >  >>