للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأظلَم، وعمي عن البصيرة، فحُجِبت عنه حقائقُ الإيمان، فيرى الحقَّ باطلًا، والباطلَ حقًّا، والرُّشدَ غيًّا، والغيَّ رشدًا. قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: ١٤]. والرَّين والرَّانُّ هو: الحجاب الكثيف المانع للقلب من رؤية الحقِّ والانقياد له (١).

وعلى حسب قوّة البصيرة وضعفها تكون الفراسة، وهي نوعان:

فراسةٌ علويّةٌ شريفةٌ مختصّةٌ بأهل الإيمان.

وفراسةٌ سفليّةٌ دنيئةٌ مشتركةٌ بين المؤمن والكافر، وهي فراسة أهل الرِّياضة والجوع والسَّهر والخلوة وتجريدِ البواطن من أنواع الشّواغل. فهؤلاء لهم فراسةُ كشفِ الصُّور والإخبارِ ببعض المغيَّبات السُّفليّة التي لا يتضمَّن كشفُها والإخبارُ بها كمالًا للنّفس ولا زكاةً ولا إيمانًا ولا معرفةً. وهؤلاء لا تتعدَّى فراستُهم هذه السفليّاتِ، لأنّهم محجوبون عن الحقِّ تبارك وتعالى، فلا تصعد فراستهم إلى التّمييز بين أوليائه وأعدائه، وطريق هؤلاء وطريق هؤلاء (٢).

وهذه (٣) فراسة الصّادقين العارفين بالله وأمره، فإنَّ هممهم (٤) لمَّا


(١) وانظر تفسيرَ المؤلف للرَّين في "الداء والدواء" (ص ١٤٨)، و"شفاء العليل" (ص ٩٤).
(٢) وضعت في م علامة "صح" بين الكلمتين فوق السطر لكيلا يحسبهما أحد من التكرار فيحذفهما كما وقع في ش.
(٣) يعني الفراسة العلوية التي تمِّيز بين أولياء الحق تعالى وأعدائه وطريق هؤلاء وطريق هؤلاء. وفي ع: "وأمَّا".
(٤) ع: "همتهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>