ودعوى من غير مطابقةٍ، فإنَّ العبدَ إذا التزم عَقْدَ الإسلام، ودخل فيه كلِّه، فقد التزم لوازمَه الظّاهرةَ والباطنةَ ومقاماتِه وأحوالَه. وله في كلِّ عَقْدٍ من عقوده وواجبٍ من واجباته أحوالٌ ومقاماتٌ، لا يكون موفِّيًا لذلك العقد والواجب إلّا بها. وكلَّما وفَّى واجبًا أشرَفَ على واجبٍ آخر بعده، وكلَّما قطَع منزلةً استقبل أخرى.
وقد يعرض له أعلى المقامات والأحوال في أوّل بداية سيره، فيُفتَح عليه من حال المحبّة والرِّضا والأنس والطُّمأنينة ما لم يحصل بعدُ للسالك في نهايته. ويحتاج هذا السَّالكُ في نهايته إلى أمورٍ من البصيرة والتّوبة والمحاسبة أعظمَ من حاجة صاحب البداية إليها. فليس في ذلك ترتيبٌ كلِّيٌّ لازمٌ للسُّلوك (١).
وقد ذكرنا أنَّ التَّوبةَ التي جعلوها من أوّل المقامات هي غايةُ العارفين ونهايةُ أولياء الله المقرَّبين، ولا ريب أنّ حاجتهم إلى المحاسبة في نهايتهم فوقَ حاجتهم إليها في بدايتهم.
فالأَولى: الكلامُ في هذه المقامات على طريقة المتقدِّمين من أئمّة القوم كلامًا مطلقًا في كلِّ مقامٍ مقامٍ ببيان حقيقته، وموجَبه، وآفته المانعة من حصوله، والقاطع عنه، وذكر عامِّه وخاصِّه. فكلامُ أئمّة الطّريق هو على هذا المنهاج لمن تأمَّلَه، كسهل بن عبد الله التُّسْتَريِّ، وأبي طالبٍ المكِّيِّ،
(١) كان في الأصل: "لاز السلوك"، فأصلح كما أثبت من ل، ج، ع. وفي م: "لأرباب السلوك". وقد ترك ناسخ ش بياضًا بعد "لا"، فكتب بعضهم في هامشها: "لعله: لأهل"، يعني: لأهل السلوك.