للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١): (الثّالث) يعني من مراتب اليقظة: (الانتباهُ لمعرفة الزِّيادة والنُّقصان من الأيّام، والتّنصُّلُ عن تضييعها، والنّظرُ إلى الضَّنِّ (٢) بها لِتدارُكِ فائتها وتعميرِ باقيها).

يعني أنّه يعرفُ ما معه من الزِّيادة والنُّقصان، فيتداركُ ما فاته في بقيّة عمره التي لا ثمن لها، ويبخل بساعاته ــ بل بأنفاسه ــ عن ذهابها ضَيَاعًا في غير ما يقرِّبه إلى الله تعالى، فهذا هو حقيقة الخسران المشترك بين النّاس، مع تفاوتهم في قدره قلّةً وكثرةً. فكلُّ نفَسٍ يخرج في غير ما يقرِّب إلى الله تعالى، هو حسرةٌ على العبد في معاده، ووقفةٌ له في طريق سيره، أو نكسةٌ إن استمرَّ، وحجابٌ إن انقطع به.

قال (٣): (فأمّا معرفة النِّعمة، فإنّها تصفو بثلاثة أشياء: بنورِ العقل، وشَيْمِ برقِ المِنَّة، والاعتبارِ بأهل البلاء).

يعني أنّ حقيقة مشاهدة النِّعمة تصفو بهذه الثّلاثة. وهي النُّور الذي أوجَبَ اليقظةَ، فاستنار القلب به لرؤية التنبيه. وعلى حسبه قوّةً وضعفًا تصفو له مشاهدة النِّعمة، فإنّ من لم ير نعمةَ الله عليه إلّا في مأكلِه وملبسِه وعافيةِ بدنه وقيامِ وجهه بين النّاس، فليس له نصيبٌ من هذا النُّور البتّة. فنعمةُ الله بالإسلامِ والإيمانِ وجذبِ عبده إلى الإقبال عليه، والتّنعُّمِ بذكره، والتّلذُّذِ بطاعته= هو أعظمُ النِّعم، وهذا إنّما يُدرَك بنورِ العقل وهدايةِ التّوفيق.


(١) "منازل السائرين" (ص ٩).
(٢) رسمه في ج، م بالظاء.
(٣) "منازل السائرين" (ص ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>