للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخالفةَ العظيم ليست كمخالفة مَن هو دونه.

ومَن عرَف قدرَ نفسه وحقيقتَها وفقرَها الذَّاتيَّ إلى مولاها الحقِّ في كلِّ لحظةٍ ونفَسٍ، وشِدَّةَ حاجتها إليه، عظمت عنده جنايةُ المخالفة لمن هو شديدُ الضَّرورة إليه في كلِّ لحظةٍ ونفَسٍ. وأيضًا فإذا عرَفَ حقارتَها مع عِظَمِ قدرِ مَن خالفه عظُمت الجنايةُ عنده، فشمَّر في التّخلُّص منها.

وكذلك بحسب تصديقه بالوعيد ويقينه به، يكون تشميرُه في التّخلُّص من الجناية التي تلحقه به. ومدارُ السّعادة وقطبُ رحاها على التّصديق بالوعيد، فإذا تعطَّل من قلبه التّصديقُ بالوعيد خرِبَ خرابًا لا يرجى معه فلاحٌ البتّة. والله تعالى أخبر أنّه إنّما تنفع الآياتُ والإنذارُ لمن صدَّق بالوعيد وخاف عذاب الآخرة، فهؤلاء هم المقصودون بالإنذار والمنتفعون بالآيات، دون مَن عداهم. قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ} [هود: ١٠٣]. وقال: {(٤٤) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ} [النازعات: ٤٥]. وقال: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: ٤٥].

وأخبر تعالى أنّ أهل النّجاة في الدُّنيا والآخرة هم المصدِّقون بالوعيد الخائفون منه، فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: ١٣ - ١٤] (١).


(١) لم ترد الآية (١٣) في ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>