للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندهم غاية السّفر الأوّل، فحينئذٍ يأخذ في السّفر الثّاني، وهو البقاء (١).

قوله: (الدّرجة الأولى: فناء المعرفة في المعروف).

يريد: اضمحلالَ معرفته وتلاشيَها في معروفه، وأن يغيبَ بمعروفه عن معرفته، كما يغيب بمشهوده عن شهوده، وبمذكوره عن ذكره، وبمحبوبه عن حبِّه، وبمَخُوفه عن خوفه. وهذا لا ريب في إمكانه ووقوعه، فإنَّ القلبَ إذا امتلأ بشيءٍ لم يبق فيه متَّسَعٌ لغيره. وأنت ترى الرّجلَ يشاهد محبوبَه الذي قد استغرق في حبِّه، بحيث تخلَّلَ حبُّه جميعَ أجزاء قلبه، أو شاهد المَخُوف الذي (٢) امتلأ بخوفه، فيعترضُه دهشٌ عن شعوره بحبِّه أو خوفه، لاستيلاءِ سلطانِ المحبوب والمخُوف على قلبه، وعدمِ اتِّساعِه لشهود غيرٍ (٣) البتّة. ولكن هذا لنقصه لا لكماله، والكمال وراء هذا. فلا أحدَ أعظمُ محبّةً لله من الخليلين، وكانت حالُهما أكملَ من هذه الحال. وشهودُ العبوديّة أكمَلُ وأتمُّ وأبلَغُ من الغَيبة عنها بشهود المعبود، فشهودُ العبوديَّةِ والمعبودِ درجةُ الكُمَّل، والغَيبةُ بأحدهما عن الآخر للنّاقصين. فكما أنّ الغَيبة بالعبادة عن المعبود نقصٌ، فكذلك الغَيبةُ بالمعبود عن عبادته؛ حتّى إنَّ من العارفين من لا يعتدُّ بهذه العبادة، ويرى إيجادها عدمًا (٤)، ويقول: هي بمنزلة عبوديّة


(١) انظر: "شرح التلمساني" (٢/ ٥٧٠).
(٢) ع: "يشاهد المخوف والذي".
(٣) ع: "غيره".
(٤) في ع: "إعادتها"، وفي هامشها: "خ إيجادها عدمًا" وقد سقط لفظ "عدمًا" من النسخ إلا ج، فاستدرك في هامش ق، ل. ولفظ "إيجادها" مهمل في ق، م، فاقترح بعضهم في هامش م أن يكون صوابه "إعادتها". وأثبت ناسخ ش: "فسادها". وفي ل، ج: "اتحادها" مع علامة الإهمال في ج، وهو تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>