للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن لم يتّسع شهودُه لهذه الأمور الأربعة، فليس من خاصَّة أولياء الله العارفين؛ بل إن ضاق شهودُه عنها مع اعترافه بها فهو مؤمنٌ ناقصٌ. وإن جحدها ــ أو شيئًا منها ــ فكفرٌ صريحٌ أو بتأويلٍ، مثل أن يجحد تفرقةَ الأمر والنّهي، أو جمعَ (١) القضاء والقدر، أو كثرةَ معاني الأسماء والصِّفات أو وحدة الذّات.

فليتدبَّر اللَّبيبُ السَّالكُ هذا الموضعَ حقَّ التَّدبُّر، وليعرف حقَّ قدره (٢)، فإنّه مجامعُ طُرقِ العالَمين وأصلُ تفرُّقهم، قد ضبطتُ لك معاقدَه، وأحكمتُ لك قواعدَه. وبالله تعالى التّوفيق.

وإنّما يعرف قدرَ هذا مَن اجتاز (٣) القِفارَ، واقتحم البِحارَ، وعرض له ما يعرض لسالك القفر وراكب البحر. ومن لم يسافر ولم يخرج عن وطن طبعه ومَرْباه، وما ألِفَ عليه أصحابَه وأهلَ زمانه، فبمعزلٍ (٤) عن هذا. فإن عرَف قدرَه، وكفى النّاسَ شرَّه، فهذا تُرجى له السّلامة. وإن عدا طورَه، وأنكر ما لم يعرفه، وكذَّب بما لم يُحِط بعلمه (٥)، ثمّ تجاوز إلى تكفير من خالفَه ولم يقلِّد شيوخه ويرضى (٦) بما رضي هو به لنفسه، فذلك الظّالمُ الجاهل الذي ما ضَرَّ إلّا نفسَه ولا أضاعَ إلّا حظَّه.


(١) ل: "جميع"، خطأ.
(٢) ع: "وليعرف قدره".
(٣) ش: "اجتاب".
(٤) ع: "فهو بمعزل".
(٥) ع: "به علمًا".
(٦) كذا بإثبات حرف العلة في جميع النسخ. يعني: "ولم يرضَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>