للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وأصل هذا الفناء: الاستغراقُ في توحيد الرُّبوبيّة، وهو رؤيةُ تفرُّدِ الله تعالى بخلق الأشياء وملكها واختراعها، وأنّه ليس في الوجود قطُّ إلّا ما شاءه وكوَّنه. فيشهد ما اشتركت فيه المخلوقاتُ من خلقِ الله إيّاها، ومشيئتهِ لها، وقدرتِه عليها، وشمولِ قيُّوميَّته وربوبيَّته لها؛ ولا يشهد ما افترقت فيه من محبّة الله لهذا وبغضه لهذا، وأمره بما أمرَ به ونهيِه عمّا نهى عنه، وموالاته لقومٍ ومعاداته لآخرين.

فلا يشهد التّفرقةَ في الجمع، وهي: تفرقةُ الخلق والأمر في جمع الرُّبوبيّة، تفرقةُ موجَبِ الإلهيّة في جمع الرُّبوبيّة (١)، تفرقةُ (٢) الإرادة الدِّينيّة في جمع الإرادة الكونيّة، تفرقةُ ما يحبُّه ويرضاه في جمعِ (٣) ما قدَّره وقضاه.

ولا يشهد الكثرةَ في الوحدة، وهي: كثرةُ معاني الأسماء الحسنى والصِّفات العُلا، واقتضاؤها لآثارها في وحدة الذّات الموصوفة بها؛ فلا يشهد كثرةَ دلالات أسماء الرّبِّ تعالى وصفاته على وحدة ذاته. فهو الله الذي لا إله إلّا هو، الرَّحمن الرَّحيم الملك القدُّوس السَّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبِّر. وكلُّ اسمٍ له صفةٌ، وللصِّفة حكمٌ، فهو سبحانه واحدُ الذّات، كثيرُ الأسماء والصِّفات. فهذه كثرةٌ في وحدةٍ.

والفرقُ بين مأموره ومنهيِّه، ومحبوبه ومبغوضه، ووليِّه وعدوِّه= تفرقةٌ في جمعٍ.


(١) "تفرقة موجب ... الربوبية" ساقط من ش.
(٢) ج، ش: "معرفة"، تحريف. وكذا كان في ق، م ثم أصلح.
(٣) ش: "جميع"، خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>