للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل كان كما وصفه الله تعالى بقوله: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: ١٧ - ١٨]، وقال: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: ٦٠]. قال ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما -: هي رؤيا عينٍ، أُرِيَهَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ليلةَ أُسْري به (١). ومع هذا فأصبح بينهم لم يتغيَّر عليه حالُه، ولم يعرِضْ له صَعَقٌ ولا غَشْي، يخبرهم عن تفاصيل ما رأى غيرَ فانٍ عن نفسه ولا عن شهوده. ولهذا كانت حالُه - صلى الله عليه وسلم - أكملَ من حال موسى بن عمران لمَّا خرَّ صَعِقًا من تجلِّي الله للجبل وجعلِه دكًّا.

فصل

وهذا الفناء له سببان:

أحدهما: قوّة الوارد وضعف المورود. وهذا لا يُذَمُّ صاحبُه.

الثّاني: نقصانُ العلم والتّمييز. وهذا يُذَمُّ صاحبُه، ولا سيَّما إذا أعرض عن العلم الذي يحول بينه وبين هذا الفناء، وذمَّه وذمَّ أهلَه، ورأى ذلك عائقًا من عوائق الطّريق، فهذا هو المذمومُ المخوفُ عليه.

ولهذا عظُمَتْ وصيّةُ أئمَّة القوم بالعلم، وحذَّروا من السُّلوك بلا علمٍ، وأمَروا بهَجْرِ مَن هَجَرَ العلمَ وأعرضَ عنه وعدمِ القبول منه، لمعرفتهم بمآلِ أمرِه وسوءِ عاقبةِ سَيره (٢). وعامَّةُ من تزندق من السّالكين فلإعراضه عن دواعي العلم، وسيرِه على جادَّة الذَّوق والوجد والفناء، ذاهبةً به الطّريقُ كلَّ مذهبٍ. فهذا فتنته، والفتنةُ به شديدةٌ! وبالله التّوفيق.


(١) أخرجه البخاري (٣٨٨٨).
(٢) ع: "عاقبته في سيره".

<<  <  ج: ص:  >  >>