للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: ٨٤ - ٨٩]. وقال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: ١٠٦]. قال ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما -: تسألهم من خلق السّماوات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم يعبدون غيره (١).

ومن كان هذا التّوحيدُ والفناءُ فيه غايةَ توحيده انسلخ من دين الله ومن جميع رسله وكتبه، إذ لم يتميَّز عنده ما أمر الله به ممّا نهى عنه، ولم يفرِّق بين أولياء الله وأعدائه، ولا بين محبوبه ومبغوضه، ولا بين المعروف والمنكر؛ فسوَّى بين المتّقين والفجّار، والطّاعة والمعصية؛ بل ليس عنده في الحقيقة إلّا طاعةٌ، لاستواء الكلِّ في الحقيقة التي هي المشيئة العامَّة الشَّاملة.

ثمّ صاحبُ هذا المقام يظنُّ أنّه صاحب الجمع والتّوحيد، وأنّه وصل إلى عين الحقيقة، وإنّما وصل إلى الحقيقة الشّاملة التي يدخل فيها إبليس وجنوده أجمعون وكلُّ كافرٍ ومشركٍ وفاجرٍ، فإنَّ هؤلاء كلَّهم تحت الحقيقة الكونيّة القدريّة. فغايةُ صاحب هذا المشهد وصولُه إلى (٢) أن يشهد استواءَ هؤلاء والمؤمنين الأبرار وأولياءِ الله وخاصَّةِ عباده في هذه الحقيقة.

ومع هذا، فلا بدّ له من الفرقِ والموالاةِ والمعاداةِ ضرورةً، فينسلخُ عن الفرق الشّرعيِّ، فيعود إلى الفرق الطَّبعيِّ بهواه وطبعه، إذ لا بدّ أن يفرِّق بين


(١) عزاه في "الدر المنثور" (٤/ ٥٩٣) إلى ابن جرير وابن أبي حاتم وأبي الشيخ. وقد أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (١٣/ ٣٧٣)، والبخاري في "خلق أفعال العباد" (ص ١٠٠) عن عكرمة.
(٢) حرف "إلى" ساقط من ج، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>