للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما ينفعه فيميلَ إليه، ويضرُّه فيهربَ منه. فبينا هو منكرٌ على أهل الفرق الشّرعيِّ ناكبًا عن طريقتهم إلى عين الجمع، إذ انتكس وارتكس وعاد إلى الفرق الطَّبعيِّ النّفسيِّ، فيوالي ويعادي ويحبُّ ويبغضُ بحسب هواه وإرادته! فإنّ (١) الفرق أمرٌ ضروريٌّ للإنسان، فمن لم يكن فرقُه قرآنيًّا محمَّديًّا، فلا بدَّ له من قانونٍ يفرِّق به: إمّا سياسةُ سائسٍ فوقه، أو ذوقٌ منه أو من غيره، أو رأيٌ منه أو من غيره، أو يفرِّق فرقًا بهيميًّا حيوانيًّا بحسب مجرّد شهوته وغرضه (٢) أين توجّهت به= فلا بدّ من التّفريق بأحد هذه الوجوه.

فلينظر العبد مَن الحاكمُ عليه في الفرق، وَلْيزِنْ به إيمانَه قبل أن يوزن، وَلْيحاسِبْ نفسَه قبل أن يُحاسَب، وليستبدل الذّهبَ بالخزف، والدُّرَّ بالبعر، والماءَ الزُّلال بالسَّرابِ الذي {بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ} [النور: ٣٩] قبلَ أن يسأل الرّجعةَ إلى دار الصَّرف، فيقالَ: هيهات! اليومُ يومُ الوفاء، وما مضى فقد فات، أُحْصِيَ المستخرَجُ والمصروفُ، وستعلم الآن ما معك من النّقد الصّحيح والزُّيوف!

وأصحابُ هذه الحقيقة أتباعُ كلِّ ناعقٍ، يميلون مع كلِّ صائحٍ، لم يستضيئوا بنورالعلم، ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيقٍ. وإذا تناهوا في حقيقتهم وأضافوا الجميعَ إلى الله إضافةَ المحبّة والرِّضا، وجعلوها عينَ المشيئة والخلق، ضاهؤوا الذين قال الله فيهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا


(١) ش: "وإن".
(٢) ج: "وأغراضه".

<<  <  ج: ص:  >  >>