للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحقيقة ذلك: فناؤه عن هوى نفسه وحظوظها بمَراضي ربِّه وحقوقه.

والجامعُ لهذا كلِّه: تحقيقُ شهادة أن لا إله إلّا الله علمًا ومعرفةً وعملًا وحالًا وقصدًا.

وحقيقةُ هذا النّفي والإثبات الذي تضمَّنته هذه الشّهادةُ هو: الفناء والبقاء، فيفنى عن تألُّهِ ما سواه علمًا وإقرارًا وتعبُّدًا، ويبقى بتألُّهِه وحده. فهذا الفناء وهذا البقاء هو حقيقة التَّوحيد الذي اتفقت عليه المرسلون، وأُنزلت به الكتب، وخُلِقت لأجله الخليقة، وشُرِعت له الشّرائع، وقامت عليه سوقُ الجنّة، وأُسِّس عليه الخلقُ والأمرُ.

وحقيقتُه أيضًا: البراء والولاء: البراءُ من عبادة غير الله، والولاءُ لله، كما قال تعالى: {(٣) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} [الممتحنة: ٤]. وقال (١) إبراهيم لأبيه وقومه: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: ٢٦ - ٢٧]، وقال أيضًا: {قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا} [الأنعام: ٧٨ - ٧٩]. وقال الله لرسوله: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)} إلى آخر السورة. وهذه براءةٌ منهم ومن معبودهم، وسمَّاها براءةً من الشِّرك (٢).


(١) ش، ع: "وإذ قال"، وفي ج: "وقوله تعالى: وإذ قال".
(٢) سمَّاها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث نوفل الأشجعي، أخرجه أحمد (٢٣٨٠٧)، (٢٤٠٠٩/ ٤٩، ٥٠) والدارمي (٣٤٧٠) وأبو داود (٥٠٥٥) والترمذي (٣٤٠٣) والنسائي في "الكبرى" (١٠٥٦٩، ١٠٥٧٠، ١١٦٤٥) وغيرهم من طرق عن أبي إسحاق السبيعي عن فروة بن نوفل الأشجعي عن أبيه مرفوعًا. وقد اختُلف على أبي إسحاق في إسناده، وقد رجح الترمذي والدارقطني في "العلل" (٣١٧٤) الوجه المذكور. والحديث صححه ابن حبان (٧٩٠، ٥٥٢٦، ٥٥٤٦) والحاكم (٢/ ٦٣٢)، وحسَّنه الحافظ في "نتائج الأفكار" (٣/ ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>