للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرجَحُ قدرًا وصفةً. وهذه المقايسةُ الثّانيةُ مقايسةٌ بين أفعالك وما منك خاصّةً.

قال (١): (وهذه المقايسةُ تشقُّ على من ليس له ثلاثة أشياء: نورُ الحكمة، وسوءُ الظّنِّ بالنّفس، وتمييزُ النِّعمة من الفتنة).

يعني: أنّ هذه المقايسة والمحاسبة تتوقَّف على نور الحكمة، وهو النُّور الذي نوَّر الله به قلوبَ أتباع الرُّسل، وهو نور الحكمة، فبقدره يرى التَّفاوت، ويتمكَّن من المحاسبة.

ونورُ الحكمة هاهنا: هو العلم الذي يميِّز به بين الحقِّ والباطل، والهدى والضّلال، والضَّارِّ والنَّافع، والكامل والنَّاقص، والخير والشَّرِّ؛ ويُبصر به مراتبَ الأعمال: راجحَها ومرجوحَها، ومقبولَها ومردودَها. وكلَّما كان حظُّه من هذا النُّور أقوى كان حظُّه من المحاسبة أكملَ وأتمَّ.

وأمّا سوءُ الظّنِّ بالنّفس، فإنّما احتاج إليه لأنَّ حسنَ الظّنِّ بالنّفس يمنع من كمال التّفتيش ويُلبِّس عليه، فيرى المساوئَ محاسنَ، والعيوبَ كمالًا، فإنَّ المحبَّ يرى مساوئ محبوبه وعيوبه كذلك.

فعينُ الرِّضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ ... كما أنَّ عينَ السُّخط تُبدي المَساويا (٢)


(١) "المنازل" (ص ١٢).
(٢) البيت لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في "الحيوان" (٣/ ٤٨٨)، و"عيون الأخبار" (٣/ ١١، ٧٦)، و"الكامل" للمبرد (١/ ٢٧٧)، و"الأغاني" (١٢/ ٢١٢ - الثقافة). والرواية: "ولكنَّ عين السخط" كما أنشده المؤلف في "روضة المحبين" (ص ٢١١) وأشير إليها في هامش ش.

<<  <  ج: ص:  >  >>