للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يسيءُ الظّنَّ بنفسه إلّا مَن عرفها. ومَن أحسن ظنَّه بها فهو من أجهل النّاس بنفسه!

وأمّا تمييزُه النِّعمةَ (١) من الفتنة، ليفرِّقَ (٢) بين النِّعمة التي يراد بها الإحسانُ واللُّطفُ، ويُعانُ بها على تحصيل سعادته الأبديّة، وبين النِّعمة التي يراد بها الاستدراجُ. فكم من مستدرَجٍ بالنِّعم وهو لا يشعُر، مفتونٍ بثناء الجهَّال عليه، مغرورٍ بقضاء الله حوائجَه وسَتْرِه عليه! وأكثرُ الخلق (٣) عندهم أنَّ هذه الثّلاثةَ علامةُ السّعادة والنّجاح. {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم: ٣٠]!

فإذا كملت هذه الثّلاثةُ فيه عرَفَ حينئذٍ أنَّ ما كان من نِعَم الله عليه يجمَعُه على الله فهو نعمةٌ حقيقيَّةٌ، وما فرَّقَه عنه وأخَذَه منه فهو البلاءُ في صورة النِّعمة، والمِحْنةُ في صورة المِنْحة؛ فليحذَرْ، فإنَّما هو مستدرَجٌ. ويميِّزْ (٤) بذلك أيضًا بين المنّة والحجّة، فلم تُلَبَّسْ (٥) إحداهما عليه بالأخرى؛ فإنَّ العبدَ بين منّةٍ من الله عليه، وحجّةٍ منه عليه، ولا ينفكُّ منهما.

فاعلم أنَّ الحكمَ الدِّينيَّ (٦) متضمِّنٌ لمنّته وحجّته. قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: ١٦٤]. وقال:


(١) م، ش، ع: "تمييز النعمة".
(٢) جواب أمَّا، وقد سبق التعليق على حذف الفاء منه (ص ٢٣٢).
(٣) ش: "خلق الله".
(٤) معطوف على "فليحذر". ش: "وليميِّز"، وكذا غيِّر في م.
(٥) ج، ع: "فلم تلتبس". والمقصود: وليميِّز بذلك أيضًا بين المنة والحجة، فإن ميَّز لم تلتَبسْ إحداهما بالأخرى. وفي ش: "فكم يلبَس".
(٦) ع: "فالحكم الديني" في موضع "فاعلم أن الحكم الديني".

<<  <  ج: ص:  >  >>