للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخر: أمّا أنا فلا أنام على فراشٍ؟ لكنِّي أتزوَّج النِّساء، وآكل اللَّحم، وأصوم وأفطر، وأقوم وأنام (١)؛ فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي". فتبرَّأ ممَّن رغِب عن سنّته وتعبَّد لله بترك ما أباحه الله لعباده من الطّيِّبات رغبةً عنه، واعتقادًا أنّ الرّغبةَ عنه وهجرَه عبادةٌ! فهذا لم يُميِّز بين ما عليه وما له.

ومثال الثّاني: من يتعبَّد بالعبادات البدعيّة التي يظنُّها جالبةً للحال والكشف والتّصرُّف، ولهذه الأمور لوازمُ لا تحصل بدونها البتّة، فيتعبَّد بالتزام تلك اللَّوازم فعلًا وتركًا، ويراها حقًّا عليه، وهي حقٌّ له، وله تركُها، كفعل الرِّياضات والأوضاع التي رسَمها كثيرٌ من السَّالكين بأذواقهم ومواجيدهم واصطلاحهم، من غير تمييزٍ بين ما فيها من حظِّ العبد والحقِّ الذي عليه!

فهذا لونٌ، وهذا لونٌ.

ومن أركان المحاسبة ما ذكره صاحب "المنازل"، فقال (٢): (الثَّالث: أن تعرفَ أنَّ كلَّ طاعةٍ رضيتَها منك فهي عليك، وكلَّ معصيةٍ عيَّرتَ بها أخاك فهي إليك) (٣).

رضا العبد بطاعته دليلٌ على حسنِ ظنِّه بنفسه، وجهلِه بحقوق العبوديّة، وعدمِ علمِه بما يستحقُّه الرّبُّ جلَّ جلالُه ويليق أن يُعامَل به.

وحاصل ذلك: أنَّ جهلَه بنفسه وصفاتها وآفاتها وعيوب عمله، وجهلَه


(١) في ع: "وأنام وأقوم" قبل "وأصوم وأفطر".
(٢) (ص ١٢).
(٣) بعده في "المنازل": "ولا تضع ميزان وقتك من يديك"، ولم يشرحه المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>