للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوبِ العبوديّة والتزامِ الطّاعة واجتنابِ المعصية، وبين ما لَكَ. والّذي لك هو المباح الشّرعيُّ. فعليك حقٌّ، ولك حقٌّ (١). ولابدَّ من التّمييزِ بين ما لك وما عليك، وإعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه.

وكثيرٌ من النّاس يجعل كثيرًا ممَّا عليه من الحقِّ من قِسْم ما لَه، فيتخيَّر (٢) بين فعله وتركه، وإن فعَلَه رأى أنّه فضلٌ قام به، لا حقٌّ أدَّاه!

وبإزاء هؤلاء من يرى كثيرًا ممّا له فعلُه وتركُه، من قِسْمِ ما عليه فعلُه أو تركُه، فيتعبَّد بتركِ ما له فعلُه كترك كثيرٍ من المباحات، ويظنُّ ذلك حقًّا عليه؛ أو يتعبَّد بفعلِ ما له تركُه، ويظنُّ ذلك حقًّا عليه!

مثال الأوّل: من يتعبَّد بترك النِّكاح وتركِ أكل اللّحم والفاكهة مثلًا، أو الطّيِّباتِ من المطاعم والملابس، ويرى لِجهله (٣) أنَّ ذلك ممَّا عليه، فيوجب على نفسه تركَه، أو يرى تركَه من أفضل القُرَب وأجلِّ الطّاعات. وقد أنكر النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على من زعم ذلك. ففي "الصّحيح" (٤) أنّ نفرًا من أصحاب النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سألوا عن عبادته في السِّرِّ، فكأنّهم تقالُّوها، فقال أحدهم: أمّا أنا فلا آكل اللّحم، وقال الآخر: أمّا أنا فلا أتزوّج النِّساء، وقال الآخر: أمّا أنا فلا أنام على فراشٍ. فبلغ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مقالتُهم، فخطَب، وقال: "ما بالُ أقوامٍ يقول أحدهم: أمّا أنا فلا آكل اللّحم، ويقول الآخر: أمّا أنا فلا أتزوّج النساء، ويقول


(١) بعده زيادة في ع: "فأدِّ ما عليك يأتِك ما لك".
(٢) ج: "فيتحيَّر" وكأن الناسخ وضع علامة الإهمال تحت الحاء. ونحوه في م بالإهمال. وفي غيرهما بالخاء كما أثبت.
(٣) رسمه في ج، م أقرب إلى "بجهله".
(٤) أخرجه البخاري (٥٠٦٣)، ومسلم (١٤٠١) من حديث أنس - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>