للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: ١٠٨] فإنّ إضافةَ التّزيين إليه قضاءً وقدرًا، وإلى الشّيطان تسبُّبًا، مع أنَّ تزيينَه تعالى عقوبةٌ لهم على ركونهم إلى ما زيَّنه الشّيطانُ لهم، فمن عقوبة السّيِّئةِ السّيِّئةُ بعدها، ومن ثوابِ الحسنةِ الحسنةُ بعدها.

والمقصود: أنَّ الاحتجاجَ بالقدر منافٍ للتّوبة، وليس من الاعتذار في شيءٍ. وفي بعض الآثار: "إنَّ العبد إذا أذنب، فقال: يا ربِّ، هذا قضاؤك، وأنت قدَّرتَ عليَّ، وأنت حكمتَ عليَّ، وأنت كتبتَ عليَّ. فيقول الله: وأنت عملتَ، وأنت جنيتَ، وأنت أردتَ واجتهدتَ، وأنا أعاقبك عليه. وإذا قال: يا ربِّ، أنا ظلمتُ، وأنا أخطأتُ، وأنا اعتديتُ، وأنا فعلتُ. يقول الله عزّ وجلّ: وأنا قدَّرتُ عليك وقضيتُ وكتبتُ، وأنا أغفر لك. وإذا عمل حسنةً، فقال: يا ربِّ أنا عملتُها، وأنا تصدَّقتُ، وأنا صلَّيتُ، وأنا أطعتُ. يقول الله عزّ وجلّ: وأنا أعنتك، وأنا وفّقتك. وإذا قال: يا ربِّ أنت أعنتني، وأنت وفّقتني، وأنت مننتَ عليّ. يقول الله: وأنت أردتَها، وأنت كسبتها" (١).

فالاعتذار اعتذاران: اعتذارٌ ينافي الاعتراف، فذلك منافٍ للتَّوبة. واعتذارٌ يقرِّر الاعتراف، فذلك من تمام التَّوبة.


(١) من كلام سهل التستري. انظر: "من التراث الصوفي" (ص ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>