للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي يُشمِّر إليها السّالكون!

ثمّ أيُّ موافقةٍ للمحبوب في عذر من لا يعذِرُه هو! بل قد اشتدَّ غضبُه عليه، وأبعَدَه عن قربه، وطرَدَه عن بابه، ومقَتَه أشدَّ المقت! فإذا عذرتَه، فهل يكون عذرُه إلّا تعرُّضًا لسخطِ المحبوب وسقوطٍ (١) من عينه!

ولا توجِب هذه الزَّلَّةُ (٢) من شيخ الإسلام إهدارَ محاسنه وإساءةَ الظَّنِّ به، فمحلُّه من العلم والإمامة (٣) والمعرفة والتفقُّه في طريق السُّلوكِ: المحلُّ الذي لا يُجهَل. وكلُّ أحدٍ فمأخوذٌ من قوله ومتروكٌ إلّا المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، صلواتُ الله وسلامه عليه. والكاملُ مَن عُدَّ خطؤه، ولا سيَّما في مثل هذا المجال الضَّنْك والمعترَك الصَّعب، الذي زلَّت فيه أقدامٌ، وضلَّت فيه أفهامٌ، وافترقت بالسّالكين فيه الطُّرقاتُ، وأشرفوا ــ إلّا أقلَّهم ــ على أودية الهَلَكات.

وكيف لا؟ وهو البحر الذي تجري سفينةُ راكبه به في موجٍ كالجبال، والمعتركُ الذي تضاءلت لشهوده شجاعةُ الأبطال، وتحيَّرت فيه عقولُ ألِبَّاءِ الرِّجال! وصلت الخليقةُ إلى ساحله يبغُون ركوبَه:

فمنهم مَن وقف مطرقًا دَهِشًا، لا يستطيع أن يملأ منه عينَه، ولا ينقل عن موقفه قدمَه. قد امتلأ قلبُه بعظمة ما شاهد منه، فقال: الوقوف على السّاحل أسلَمُ، وليس بلبيبٍ مَن خاطر بنفسه!


(١) ق، ل، ج: "وسقوطه".
(٢) م، ش، ع: "الزلقة"، وكتبها بعضهم في هامش ق أيضًا.
(٣) ما عدا ع: "والإنابة".

<<  <  ج: ص:  >  >>