للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم مَن رجع على عقبيه لمّا سمع أصواتَ (١) أمواجه، ولم يُطِقْ نظرًا إليه.

ومنهم مَن رمى بنفسه في لُجَجه، تخفضه موجةٌ، وترفعه أخرى.

فهؤلاء الثّلاثةُ على خطرٍ، إذ الواقفُ (٢) على السّاحل عرضةٌ لوصول الماء تحت قدميه. والهاربُ ــ ولو جدَّ في الهرب ــ فما له مصيرٌ إلّا إليه. والمخاطرُ ناظرٌ إلى الغرَق كلَّ ساعةٍ بعينيه.

وما نجا من الخلق إلّا الصِّنفُ الرّابعُ، وهم الذين انتظروا موافاةَ سفينةِ الأمر، فلمّا قربت منهم ناداهم الرُّبَّانُ: {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مُجْراهَا وَمُرْسَاهَا} (٣) [هود: ٤١]. فهي سفينةُ نوح حقًّا وسفينةُ مَن بعده من الرُّسل، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق. فركبوا سفينةَ الأمرِ بالقدر، تجري (٤) بهم في تصاريف أمواجه على حكم التَّسليم لمن بيده التّصرُّفُ في البحار، فلم تكن إلّا غفوة حتّى قيل لأرض الدُّنيا وسمائها: {يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} واستوت على جُوديِّ (٥) دارِ القرار.

والمتخلِّفون عن السّفينة كقوم نوحٍ، أُغْرِقُوا، ثمّ أُحْرِقُوا، ونودي عليهم على رؤوس العالمين: {وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود: ٤٤] (٦)، {وَمَا


(١) ع: "سمع هديرَه وصوت".
(٢) ما عدا ع: "الوقوف".
(٣) قراءة حفص وحمزة والكسائي: {مَجْرَاهَا}، والمثبت قراءة أبي عمرو.
(٤) ما عدا ع: "بالقدر يجري" بالياء في ش وبالتاء في ج.
(٥) ما عدا ع: "الجودي" كما في الآية، ولكن ضرب على لام التعريف في ق، م.
(٦) هذه الآية انفردت بها ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>