للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حالَ الصَّفاء غَيْمًا من الدّعوى ورقيقةً من العُجْب (١) ونسيانِ المِنّة، وخطَفته نفسُه عن حقيقة فقره ونقصه، فذكرُ الذّنب أنفع له. وإن كان في حال مشاهدةِ منّة الله عليه، وكمالِ افتقاره إليه، وقيامِه (٢) به، وعدمِ استغنائه عنه في ذرّةٍ من ذرّاته، وقد خالط قلبَه حالُ المحبّةِ والفرحِ بالله، والأنسِ به، والشَّوقِ إلى لقائه، وشهودِ سعةِ رحمته وحلمه وعفوه، وقد أشرقت على قلبه أنوارُ الأسماء والصِّفات= فنسيانُ الجناية والإعراض عن الذّنب أولى به وأنفع له (٣)، فإنّه متى رجع إلى ذكر الجناية توارى عنه ذلك، ونزل من عُلْوٍ إلى سُفْلٍ، ومن حالٍ إلى حالٍ بينهما من التّفاوت أبعَدُ ما بين السَّماء والأرض. وهذا من حسد الشّيطان له، أراد أن يحُطَّه عن مقامه وسَيْرِ قلبه في ميادين المعرفة والمحبّة والشّوق إلى وحشة الإساءة وحَصْر الجناية.

والأوّلُ (٤) يكون شهودُه لجنايته منّةً من الله، منَّ بها (٥) عليه ليؤمِّنه بها من مَقْتِ الدّعوى وحجاب الكِبْرِ الخفيِّ الذي لا يشعر به. فهذا لونٌ، وهذا لونٌ.

وهذا أمرٌ، الحكمُ (٦) فيه أمرٌ وراء العبارة. وبالله التّوفيق، وهو المستعان.


(١) يعني: شيئًا يسيرًا منه. انظر ما كتبت في تفسير "الرقيقة" في "طريق الهجرتين" (١/ ٦٩) و"زاد المعاد" (٤/ ٣٣).
(٢) ع: "وفنائه". وفي ش: "وكماله".
(٣) "له" ساقط من ع.
(٤) ج: "فالأول".
(٥) لم يرد "بها" في ج.
(٦) م، ش: "المحكم". وفي ج: "الأمر المحكم". وفي ع: "وهذا المحكَّم".

<<  <  ج: ص:  >  >>