للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلق والأمر. ونفيُه كما يقول أعداؤه هو الباطلُ والعبَثُ الذي نزَّه نفسَه عنه، وهو السُّدى الذي نزَّه نفسَه عن أن يترك الإنسانَ عليه. فهو سبحانه يحبُّ أن يُعبَد ويُطاعَ، ولا يعبأ بخلقه شيئًا لولا محبّتهم وطاعتهم له. وقد أنكر على من زعم أنّه خلقهم لغير ذلك. وإنّهم لو خُلِقوا لغير عبادته وتوحيده وطاعته (١) لكان خلقُهم عبثًا وباطلًا وسدًى، وذلك ما (٢) يتعالى عنه أحكمُ الحاكمين والإله الحقُّ.

فإذا خرج العبدُ عمّا خُلِق له من طاعته وعبوديَّته (٣)، فقد خرج عن أحبِّ الأشياء إليه، وعن الغاية التي لأجلها خُلِقت الخليقة، وصار كأنّه خُلِقَ عبثًا لغير شيءٍ، إذ لم تُخرج أرضُه البذرَ الذي وُضِع فيها، بل قلبَتْه شوكًا ودَغَلًا (٤). فإذا راجعَ ما خُلِق له ووُجِد لأجله فقد رجع إلى الغاية التي هي أحبُّ الأشياء إلى خالقه وفاطره، ورجع إلى مقتضى الحكمة التي خُلِق لأجلها، وخرَج عن معنى العبث والسُّدى والباطل. فاشتدَّت محبَّةُ الرَّبِّ له فإنَّ اللهَ يحبُّ التَّوَّابين، فأوجبت هذه المحبّةُ فرحًا كأعظم ما يقدَّر من الفرح.

ولو كان في الفرح المشهود في هذا العالم نوعٌ أعظمُ من هذا الذي ذكره النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَذكَره، ولكن لا فرحةَ أعظمُ من فرحة هذا الواجدِ الفاقدِ لمادّة حياته وبلاغه في سفره، بعد يأسه من أسباب الحياة بفقده. وهذا لشدَّة محبّته


(١) العبارة "وقد أنكر ... طاعته" ساقطة من م.
(٢) ع: "مما".
(٣) ع: "الطاعة والعبودية".
(٤) المقصود بالدَّغَل هنا النباتات الطفيلية التي تنبت حول الزرع وتزاحمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>