للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لتوبة التّائب. والمحبُّ إذا اشتدَّت محبَّتُه للشَّيء وغاب (١) عنه، ثمّ وَجَده وصار طوعَ يديه، فلا فرحةَ أعظمُ من فرحته به.

فما (٢) الظّنُّ بمحبوبٍ لك تحبُّه حبًّا شديدًا، وأسره عدوُّك، وحال بينك وبينه، وأنت تعلم أنَّ العدوَّ سيسومُه سوءَ العذاب، ويعرِّضه لأنواع الهلاك، وأنت أولى به منه، وهو غرسُك وتربيتُك. ثمّ إنّه انفلتَ من عدوِّه، ووافاك على غير ميعادٍ، فلم يفجأك إلّا وهو على بابك، يتملَّقُك (٣) ويترضَّاك ويستعتبُك، ويمرِّغ خدَّيه على ثرى (٤) أعتابك= فكيف يكون فرحُك به، وقد اختصَّيْتَه (٥) لنفسك، ورضيتَه لقربك (٦)، وآثرتَه على سواه؟ هذا، ولستَ الذي أوجدتَه وخلقتَه، وأسبغتَ عليه نعمَك.

واللهُ عزَّ وجلَّ هو الذي أوجد عبدَه، وخلَقه وكوَّنه، وأسبغ عليه نعمَه، وهو يحبُّ أن يتمَّها عليه، فيصيرَ مُظْهِرًا لنعمه، قابلًا لها، شاكرًا لها، محبًّا لوليِّها مطيعًا له عابدًا له، معاديًا لعدوِّه مبغضًا له عاصيًا له. والله تعالى يحبُّ من عبده معاداةَ عدوِّه ومعصيتَه ومخالفتَه، كما يحبُّ أن يُواليَه سبحانه ويطيعَه ويعبدَه؛ فتنضافُ محبَّتُه لعبادته وطاعته والإنابة إليه، إلى محبّته لعداوة عدوِّه ومعصيته ومخالفته، فتشتدُّ المحبّةُ منه سبحانه مع حصول


(١) ج: "فغاب".
(٢) ل: "بل فما"، ولم ترد زيادة "بل" في النسخ الأخرى.
(٣) ع: "يتملَّق لك".
(٤) ع: "ترب".
(٥) كذا في جميع النسخ. أصله: اختصَصْتَه، من كلام العامة مثل ظنَّيْتُ واستمرَّيْتُ.
(٦) ش: "لديك".

<<  <  ج: ص:  >  >>