للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩]، وقال: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣].

فمن عرَفَ حقيقةَ نفسه وما طُبِعت عليه علِمَ أنّها منبعُ كلِّ شرٍّ ومأوى كلِّ سوءٍ، وأنَّ كلَّ خيرٍ فيها ففضلٌ (١) من الله منَّ به عليها، لم يكن منها، كما قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: ٢١]. وقال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: ٧]. فهذا الحبُّ وهذه الكراهةُ لم يكونا في النّفس ولا بها، ولكنَّ الله هو الذي منَّ بهما، فجعَلَ العبدَ بسببهما من الرّاشدين {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: ٨]: عليمٌ بمن يصلُح لهذا الفضل ويزكو عليه ويثمر عنده، حكيمٌ فلا يضَعُه عند غير أهله، فيضيِّعه بوضعه في غير موضعه.

ومنها: ما ذكره صاحب "المنازل"، فقال (٢): (اللَّطيفة الثَّانية: أن يعلم أنَّ نظرَ البصير الصَّادق في سيِّئته لم يُبْقِ له حسنةً بحالٍ، لأنّه يسير بين مشاهدة المنّة، وتطلُّبِ عيبِ النَّفس والعمل).

يريد: أنَّ من له بصيرةٌ بنفسه، وبصيرةٌ بحقوق الله تعالى، وهو صادقٌ في طلبه، لم يُبقِ له نظرُه في سيِّئاته حسنةً البتّة، فلا يلقى الله إلَّا بالإفلاس المحض والفقر الصِّرف. لأنّه إذا فتَّشَ عن عيوب نفسه وعيوب عمله علِمَ


(١) ج: "فضلٌ".
(٢) "منازل السائرين" (ص ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>