للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يقطع هذه العقبةَ إلّا أهلُ البصائر والصِّدق من أولي العلم (١).

= فإذا نجا منها لم يبق هناك عقَبةٌ يطلبه العدوُّ عليها سوى واحدةٍ لا بدَّ له منها، ولو نجا منها أحدٌ لنجا منها رسلُ الله وأنبياؤه وأكرمُ الخلق عليه. وهي عقَبةُ تسليطِ جندِه عليه بأنواع الأذى باليد واللِّسان والقلب، على حسب مرتبته في الخير. فكلَّما علَتْ مرتبتُه أجلَبَ عليه بخيله ورَجْله، وظاهَرَ عليه بجنده، وسلَّطَ عليه حزبَه وأهلَه بأنواع التَّسليط. وهذه العقَبةُ لا حيلة له في التّخلُّص منها، فإنّه كلَّما جدَّ في الاستقامة والدَّعوة إلى الله تعالى والقيام بأمره، جدَّ العدوُّ في إغراء السُّفهاء به، فهو في هذه العقبة قد لبِس لَأْمةَ الحرب، وأخذ في محاربة العدوِّ لله وبالله. فعبوديّتُه فيها عبوديّةُ خواصِّ العارفين، وهي تسمّى "عبوديّة المراغمة"، ولا ينتبه لها إلّا أولو البصائر التّامَّة. ولا شيءَ أحبُّ إلى الله من مراغمةِ وليِّه لعدوِّه وإغاظتِه له.

وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذه العبوديّة في مواضع من كتابه. أحدها: قوله: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: ١٠٠]. سمَّى المهاجَرَ الذي يهاجَر فيه إلى عبادة الله (٢) "مراغَمًا" لأنه يُراغَم به عدوُّ الله وعدوُّه، واللهُ يحبُّ من وليِّه مراغمةَ عدوِّه وإغاظته، كما قال تعالى:


(١) بعده في ع زيادة: "السّائرين على جادَّة التّوفيق، قد أنزلوا الأعمالَ منازلها، وأعطَوا كلَّ ذي حقٍّ حقَّه". وقد أشير في بدايتها ونهايتها إلى أنها لم ترد في الأصل.
(٢) ما عدا ع: "عبادة"، فلم يرد لفظ الجلالة في سائر النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>