للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أحد القولين (١) ــ وهو أن يكون المعنى: لم يُهلِكهم بظلمهم قبل إرسال الرَّسول ــ فتكون الآية دالّةً على الأصلين: أنّ أفعالَهم وشركَهم ظلمٌ قبيحٌ قبل البعثة، وأنّه لا يُعاقبهم عليه إلّا بعد الإرسال.

وتكون هذه الآية في دلالتها على الأمرين نظيرَ الآية التي في القصص [٤٧]: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}. فهذا يدلُّ على أنَّ ما قدَّمت أيديهم سببٌ لنزول المصيبة بهم، ولولا قبحُه لم يكن سببًا، لكن امتنع إصابةُ المصيبة لانتفاء شرطها، وهو عدمُ مجيء الرَّسول إليهم. فمذ جاء الرَّسولُ انعقد السَّببُ، ووُجِد الشَّرطُ، فأصابهم سيِّئاتُ ما عملوا، وعوقبوا بالأوّل والآخر.

فصل (٢)

وأمّا الأصل الثّاني، وهو دلالتُه على أنَّ الفعل في نفسه حسنٌ وقبيحٌ، فكثيرٌ جدًّا، كقوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} إلى قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٢٨ - ٣٣]. فأخبر سبحانه أنَّ فعلَهم فاحشةٌ قبل نهيه عنه، وأمَره باجتنابه بأخذ


(١) القول الثاني: ما كان ليهلكهم قبل التذكير بإرسال الرسول فيكون قد ظلمهم. وقد تقدم القولان في معنى الآية (ص ٣٤١).
(٢) بإزائه في هامش الأصل: "بلغ مقابلة وقراءة على مصنفه - رضي الله عنه - ".

<<  <  ج: ص:  >  >>