وصاحبَ العلم صاحبُ غيبةٍ، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب. ونحن نشير إليكم إشارةً حاليَّةً علميَّةً، تنزُّلًا من الحال إلى العلم، فنقول: الحال تأثُّرٌ عن نور ٍمن أنوار الأحديَّة والفردانيَّة، تستر العبد عن نفسه، وتبدي ظهور مشهوده. ولا ريب أنَّه في هذه الحال قد يعتقد أنَّ الشاهد هو المشهود ... ».
هذا القيل أيضا للتلمساني، وما نقله بعد «فنقول» هو نصُّ كلامه بشيء من التصرف، وقد جاء ذلك تفسيرًا لقول الهروي:(وأصدق أحواله زور، وأصفى قصوده قعود).
ومما قاله التلمساني في تفسير الجملة الثانية:«يعني أن القاصد إلى الحقيقة متى شهد مقصوده قعد عن قصده، وذلك لأن الحق تعالى لا يُقصد ولا يُبتغى لأنه أقرب إلى اللسان من نطقه إذا نطق، وإلى القلب إذا قصد». ثم ذكر أن هذا المعنى عزيز، والإشارة إليه أولى من العبارة.
ورد َّعليه ابن القيم بأن «مَن أحالك على الحال فما أنصفك! فإنه أحالك على أمر مشترك بين الحق والباطل ... وسير أولياء الله وعباده الأبرار والمقربين بخلاف هذا، وهو إحالة الحال على العلم وتحكيمه عليه وتقديمه ... فمن لم يكن هذا أصل بناء سلوكه فسلوكه فاسد، وغايته الانسلاخ من العلم والدين كما جرى ذلك لمن جرى له».
ثم تكلم على ما استدل به التلمساني في شرح كلام الهروي (وأصفى قصوده قعود) من قرب الله سبحانه من عباده، فبيَّن معنى قربه من عباده مع كونه فوق سماواته على عرشه بائنًا من خلقه، وفسّر قوله تعالى:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق: ١٦].