للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الانتقال عن وادي الجمع والفناء والخروجُ عنه إلى أودية الفرق الثّاني والبقاء، فالشّأن كلُّ الشّأن فيه. وهو الذي كان ينادي عليه شيخُ الطّائفة على الإطلاق الجنيدُ بن محمَّدٍ - رحمه الله -. ووقع بينه وبين أصحاب هذا الجمع والفناء ما وقع لأجله، فهجَرهم وحذَّر منهم، وقال: عليكم بالفرق الثّاني (١). فإنَّ الفرقَ فرقانِ: الفرق الأوّل: هو النَّفسيُّ الطّبيعيُّ (٢) المذموم، وليس الشّأنُ في الخروج منه إلى الجمع والفناء في توحيد الرُّبوبيّة والحقيقة الكونيَّة، بل الشّأنُ في شهود هذا الجمع واستصحابه في الفرق الثّاني، وهو الحقيقة الدِّينيَّة. فمن لم يتَّسِعْ لذلك فليترُكْ جمعَه وفناءَه تحت قدمه، ولينبذه وراءَ ظهره، مشتغلًا بالفرق الثّاني.

والكمالُ أيضًا وراء ذلك! وهو شهودُ الجمع في الفرق، والكثرةِ في الوحدة، وتحكيمُ الحقيقة الدِّينيّة على الحقيقة الكونيّة. فهذا حالُ العارفين الكُمَّل:

يَسقِي ويشرَبُ لا تُلهيه سكرتُه ... عن النّديم ولا يلهو عن الكأسِ (٣)

"إنِّي لأسمع بكاءَ الصّبيِّ وأنا في الصّلاة، فأتجوَّز فيها كراهيةَ أن أشُقَّ


(١) انظر: "الرد على الشاذلي" (ص ١٢٠)، و"الرد على البكري" (ص ٤١٥ - ٤١٦، ٤٢٦)، و"منهاج السنة" (٥/ ٣٣٩، ٣٦٩)، و"جامع الرسائل" (٢/ ١٢٤) وغيرها من كتب شيخ الإسلام، و"طريق الهجرتين" للمؤلف (٢/ ٧٣٥).
(٢) ع: "الطبعي".
(٣) البيت مع آخر ليحيى بن نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر الجيلاني. انظر: "مرآة الزمان" لسبط ابن الجوزي (٢١/ ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>