للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأويلُ من تأوَّلَ الآيةَ على أنّه لا يرضاه دينًا مع محبّته لوقوعه ممَّا ينبغي أن يصان كلامُ الله تعالى عنه، إذ المعنى عندهم أنّه محبوبٌ له ولكن لا يثاب فاعلُه عليه، فهو محبوبٌ بالمشيئة، غيرُ مثابٍ عليه شرعًا.

ومذهبُ سلف الأمّة وأئمّتها أنّه مسخوطٌ للرَّبِّ، مكروهٌ له قدرًا وشرعًا، مع أنّه وُجِد بمشيئته وقضائه فإنّه يخلُق ما يحبُّ وما يكره. وهذا كما أنَّ الأعيانَ كلَّها خلقُه، وفيها ما يبغضه ويكرهه كإبليس وجنوده وسائر الأعيان الخبيثة، وفيها ما يحبُّه ويرضاه كأنبيائه ورسله وملائكته وأوليائه= فهكذا (١) الأفعالُ كلُّها خلقُه، ومنها ما هو محبوبٌ له، وما هو مكروهٌ له خلَقَه لحكمةٍ له في خلقِ ما يكره ويبغض كالأعيان.

قال (٢) تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥] مع أنّه بمشيئته وقضائه وقدره.

قال تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: ٧]. فالكفرُ والشُّكرُ واقعان بمشيئته وقدره، وأحدهما محبوبٌ له مرضيٌّ، والآخَرُ مبغوضٌ له مسخوطٌ.

وكذلك قولُه عقيبَ ما نهى عنه من الشِّرك والظُّلم والفواحش والكبر: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَةٌ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} (٣) [الإسراء: ٣٨]. فهو مكروهٌ له، مع وقوعه بمشيئته وقضائه وقدره.


(١) ع: "وهكذا".
(٢) في ع: "وقال" هنا وفيما يأتي.
(٣) "سيِّئةً" قراءة أبي عمرو كما سبق قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>