للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي "الصّحيح" (١) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السُّؤال، وإضاعة المال". فهذه كراهةٌ لموجودٍ تعلَّقت به المشيئة.

وفي "المسند" (٢): "إنّ الله يحبُّ أن يُؤخَذ برُخَصِه، كما يكره أن تُؤتى معصيتُه"، فهذه محبّةٌ وكراهةٌ لأمرين موجودين، اجتمعا في المشيئة، وافترقا في المحبَّة والكراهة. وهذا أكثرُ من أن يُذكَر جميعُه.

وقد فطَر الله عبادَه على قولهم: هذا الفعلُ يحبُّه الله، وهذا يكرهه (٣) ويُبغضه؛ وفلانٌ يفعلُ ما لا يحبُّه (٤) الله.

والقرآنُ مملوءٌ بذكر سخطه وغضبه على أعدائه. وذلك صفةٌ قائمةٌ به يترتَّب عليها العذابُ واللَّعنةُ، لا أنَّ السَّخَطَ هو نفسُ العذاب واللَّعنة، بل هما أثرُ السَّخط والغضب وموجَبُهما. ولهذا يفرِّق بينهما كما قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣]، ففرَّقَ بين عذابه وغضبه ولعنته، وجعل كلَّ واحدٍ غير الآخر.


(١) أخرجه البخاري (١٤٧٧) ومسلم (٥٩٣) من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -.
(٢) برقم (٥٨٦٦، ٥٨٧٣)، وأخرجه أيضًا ابن خزيمة (٩٥٠، ٢٠٢٧) وابن الأعرابي في "معجمه" (٢٢٣٧) وابن حبان (٢٧٤٢) والبيهقي (٣/ ١٤٠) من طرق عن حرب بن قيسٍ عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما -. إسناده لا بأس به، وله شواهد صححه بها الألباني في "الإرواء" (٥٦٤).
(٣) ع: "يكرهه الله".
(٤) ع: "ما يحبّه".

<<  <  ج: ص:  >  >>