للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان من دعاء النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمّ إنِّي أعوذُ برضاك من سَخَطِك، وأعوذُ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذُ بك منك" (١).

فتأمَّلْ ذكرَ استعاذته - صلى الله عليه وسلم - بصفة الرِّضا من صفة السَّخَط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة فالأوّلُ (٢) للصِّفة، والثّاني لأثرها المرتَّبِ (٣) عليها. ثمّ ربَطَ ذلك كلَّه بذاته سبحانه، وأنَّ ذلك كلَّه راجعٌ إليه وحده، لا إلى غيره. فما أعوذُ منه واقعٌ بمشيئتك وإرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك، إن شئتَ أن ترضى عن عبدك وتُعافيه، وإن شئتَ أن تغضبَ عليه وتعاقبَه. فإعاذتي ممّا أكره وأحذر، ومنعُه أن يحِلَّ بي هو بمشيئتك أيضًا، فالمحبوبُ والمكروهُ كلُّه بقضائك ومشيئتك. فعياذي بك منك: عياذي بحولك وقوّتك وقدرتك ورحمتك وإحسانك، ممَّا يكون بحولك وقوَّتك وقدرتك وعدلك وحكمتك. فلا أستعيذ بغيرك من غيرك، ولا أستعيذ بك من شيءٍ (٤) صادرٍ عن غير مشيئتك (٥)، بل هو منك، ولا أستعيذ بغيرك من شيءٍ هو صادرٌ عن مشيئتك وقضائك، بل أنت الذي تُعيذني بمشيئتك ممّا هو كائنٌ بمشيئتك= فأعوذ بك منك. فلا يعلم ما في هذه الكلمات من التّوحيد والمعارف والعبوديّة إلّا الرّاسخون في العلم بالله ومعرفته ومعرفة عبوديّته (٦).


(١) أخرجه مسلم (٤٨٦) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) ما عدا ع: "فالأولى"، يعني الاستعاذة، والمصدر يذكَّر ويؤنث.
(٣) ش، ع: "المترتب".
(٤) في هامش ع بعده: "هو" مع علامة صح، يعني: هو صادرٌ.
(٥) بعده في ع زيادة: "وخلقك".
(٦) وانظر في شرح الحديث: الباب السادس والعشرين من "شفاء العليل" (ص ٢٧٢ - ٢٧٣) و"طريق الهجرتين" (١/ ٥٧ - ٥٨)، (٢/ ٦٢٦ - ٦٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>