دون الذَّوق، فإنَّا لا ننكر ذوقَ هذه الحال، وإنَّما ننكرُ كونَها أكملَ من غيرها. فأين الإشارةُ في القرآن، أو في السُّنَّة، أو في كلام سادات العارفين من الصَّحابة ومن تبعهم= إلى هذا الفناء، وأنَّه هو الكمال، وأنَّ رؤيةَ العبد لفعله بالله وحوله وفضله، وشهودَه له كذلك= علّةٌ تجب التَّوبةُ منها؟
وهذا القدرُ ممَّا يصعبُ إنكاره على القوم جدًّا، ويرمُون منكِرَه بأنّه محجوبٌ من أهل الفَرْق، وأنّه لم يصل إلى هذا المقام، ولو وصَل إليه لَمَا أنكره. وليس في شيءٍ من ذلك حجّةٌ لتصحيح قولهم، ولا جوابُ المطالبة، فقد سألكم هذا المحجوبُ عن مسألةٍ شرعيَّةٍ، وما ذكرتموه ليس بجوابٍ لها. ولَعَمْرُ الله إنَّه يراكم محجوبين عن حالٍ أعظمَ من هذه الحال، ومقامٍ أرفع منه!
وليس في مجرَّدِ الفناءِ والاستغراقِ في شهود القيُّوميّة وإسقاطِ الأسباب والعلل والحِكَم والوسائط كبيرُ علمٍ ولا معرفةٌ ولا عبوديّةٌ. وهل المعرفةُ كلُّ المعرفة والعبوديَّةُ إلّا شهودُ الأشياء على ما هي عليه؟ والقرآنُ مملوءٌ من دعاء العباد إلى التّفكُّرِ في الآيات، والنَّظَرِ في أحوال المخلوقات، ونظرِ الإنسان في نفسه وتفاصيل أحواله. وأخصُّ من ذلك: نظرُه فيما قدَّمه لغده، ومطالعتُه لنِعَم الله عليه بالإيمان والتَّوفيق والهداية، وتذكُّرُ (١) ذلك والتّفكُّرُ فيه وحمدُ الله وشكرُه عليه. وهذا لا يحصل مع الفناء حتّى عن رؤيةِ الرُّؤية وشهودِ الشُّهود.
ثمّ إنَّ هذا غيرُ ممكنٍ البتّة، فإنَّكم إذا جعلتم رؤيتَه لتوبته علّةً يتوب