للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: وأمّا استمرارُ التَّوبة فشرطٌ في صحَّة كمالها ونفعها، لا شرطٌ في صحَّة ما مضى منها، وليس ذلك كصيام اليوم وعدد ركعات الصَّلاة، فإنَّ تلك عبادةٌ واحدةٌ لا تكون مقبولةً إلّا بالإتيان بجميع أركانها وأجزائها. وأمّا التَّوبةُ فهي عباداتٌ متعدِّدةٌ بتعدُّد الذُّنوب، فكلُّ ذنبٍ له توبةٌ تخصُّه (١)، فإذا أتى بعبادةٍ وترك أخرى لم يكن ما ترك مُوجِبًا لبطلان ما فعل، كما تقدَّم تقريره. بل نظير هذا: أن يصوم من رمضان ويُفطِر منه بلا عذرٍ، فهل يكون ما أفطره منه مبطلًا لأجر ما صامه منه؟ بل نظير من صلّى ولم يصُم، أو زكّى ولم يحُجَّ.

ونكتة المسألة: أنَّ التَّوبةَ المتقدِّمةَ حسنةٌ، ومعاودةُ الذّنب سيِّئةٌ، فلا تُبطِل معاودتُه هذه الحسنةَ، كما لا تُبطل ما قارنها من الحسنات.

قالوا: وهذا على أصول أهل السُّنّة أظهَرُ، فإنّهم متَّفقون على أنَّ الشَّخصَ الواحدَ يكون فيه ولايةٌ لله وعداوةٌ من وجهين مختلفين، ويكون محبوبًا لله مبغوضًا له من وجهين أيضًا، بل يكون فيه إيمانٌ ونفاقٌ، وإيمانٌ وكفرٌ، ويكون إلى أحدهما أقربَ منه إلى الآخر فيكون من أهله، كما قال تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ} [آل عمران: ١٦٧]. وقال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: ١٠٦]. أثبت لهم الإيمانَ به مع مقارنة (٢) الشِّرك، فإن كان مع هذا الشِّرك تكذيبٌ لرسله لم ينفعهم ما معهم من الإيمان بالله. وإن كان معه تصديقٌ برسله، وهم مرتكبون لأنواعٍ من


(١) ش: "محضة"، تصحيف.
(٢) ش: "مقارفة".

<<  <  ج: ص:  >  >>