للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدخلها إلّا من طاب من كلِّ وجهٍ. فإذا بقي عليه شيءٌ من خبث الذُّنوب أُدخِلَ كِيرَ الامتحان، ليتخلَّصَ (١) ذهبُ إيمانه من خبثه، فيصلُح حينئذٍ لدار الملك.

إذا عُلِمَ هذا فزوالُ موجَبِ الذَّنب وأثرِه تارةً يكون بالتَّوبة النَّصوح، وهي أقوى الأسباب. وتارةً يكون باستيفاء الحقِّ منه وتطهيره في النَّار، فإذا تطهَّر بالنّار، وزال أثرُ الوسخ والخبث عنه، أُعطِيَ مكان كلِّ سيِّئةٍ حسنةً. فإذا تطهَّر بالتَّوبة النَّصوح، وزال عنه بها أثرُ وسخِ الذُّنوب وخبثِها، كان أولى بأن يعطى مكان كلِّ سيِّئةٍ حسنةً، لأنَّ إزالةَ التّوبة لهذا الوسخ والخبث أعظمُ من إزالة النَّار وأحبُّ إلى الله تعالى، وإزالةُ النّار بدلٌ منها، وهي الأصل، فهي أولى بالتَّبديل ممَّا بعد الدُّخول. يوضِّحه:

الوجه السَّابع (٢): وهو أنَّ التَّائبَ قد بدَّل كلّ سيِّئةٍ حسنةً (٣) بندمه عليها، إذ هو توبةُ تلك السّيِّئة، والنَّدمُ توبةٌ، والتَّوبةُ من كلِّ ذنبٍ حسنةٌ، فصار كلُّ ذنبٍ عمِله زائلًا بالتَّوبة التي حلَّت محلَّه وهي حسنةٌ، فصار له مكانَ كلِّ سيِّئةٍ حسنةٌ بهذا الاعتبار. فتأمَّلْه فإنَّه من ألطف الوجوه.

وعلى هذا فقد تكون هذه الحسنةُ مساويةً في القدر لتلك السّيِّئة، وقد تكون دونها، وقد تكون فوقها. وهذا بحسب نُصحِ هذه التَّوبة، وصدقِ التّائب فيها، وما يقترن بها من عمل القلب الذي تزيد مصلحتُه ونفعُه على مفسدة تلك السّيِّئة. وهذا من أسرار مسائل التّوبة ولطائفها. يوضِّحه:


(١) في هامش ع أن في نسخة: "ليخلص".
(٢) ما عدا م: "التاسع".
(٣) لفظ "حسنة" لم يرد في ل، ج. وقد استدرك في هامش ق، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>