للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبدُ ــ منوطًا بحصول التَّوبة النَّصوح. و"النَّصوح" على وزن فَعولٍ المعدولِ عن فاعلٍ (١) قصدًا للمبالغة كالشَّكور والصَّبور. وأصلُ مادّة (ن ص ح) لخلاص الشَّيء من الغشِّ والشَّوائب الغريبة، وهو ملاقٍ في الاشتقاق الأكبر لـ"نصَحَ" إذا خَلَص. فالنُّصحُ في التّوبة والعبادة والمشورة: تخليصُها من كلِّ غشٍّ ونقصٍ وفسادٍ، وإيقاعُها على أكمل الوجوه. والنُّصح ضدُّ الغشِّ.

وقد اختلفت عبارات السَّلف عنها، ومرجعها إلى شيءٍ واحدٍ. فقال عمر بن الخطَّاب وأبيُّ بن كعبٍ - رضي الله عنهما -: التَّوبة النَّصوحُ أن يتوبَ من الذَّنب ثمَّ لا يعودَ إليه، كما لا يعودُ اللَّبنُ إلى الضَّرع (٢). وقال الحسن البصريُّ: هي أن يكون العبدُ نادمًا على ما مضى مُجْمِعًا على أن لا يعود فيه. وقال الكلبيُّ: أن يستغفر باللِّسان، ويندم بالقلب، ويمسك بالبدن. وقال سعيد بن المسيِّب: توبةً نصوحًا، تنصحون بها أنفسكم. جعَلَها بمعنى ناصحةٍ للتَّائب، كضَرُوب المعدول عن ضاربٍ. وأصحابُ القول الأوّل يجعلونها بمعنى المفعول، أي قد نصَح فيها التَائبُ ولم يشُبها بغِشٍّ. فهي إمَّا بمعنى منصوحٍ فيها، كركوبةٍ وحلوبةٍ بمعنى مركوبةٍ ومحلوبةٍ، أو بمعنى الفاعل، أي ناصحةٍ كخالصةٍ وصادقةٍ.

وقال محمّد بن كعبٍ القُرَظيُّ - رحمه الله -: يجمعها أربعةُ أشياء: الاستغفارُ باللِّسان، والإقلاعُ بالأبدان، وإضمارُ تركِ العَودِ بالجَنان، ومهاجرةُ سيِّء


(١) ع: "الفاعل".
(٢) انظر لهذا القول والأقوال الأخرى: "تفسير البغوي" (٨/ ١٦٩ - ١٧٠) وعنه صدر المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>