للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهبت طائفةٌ ثالثةٌ إلى أنَّ اللَّمَم: ما فعلوه في الجاهليّة قبل إسلامهم، فالله لا يؤاخذُهم به. وذلك أنَّ المشركين قالوا للمسلمين: أنتم بالأمس كنتم تعملون معنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وهذا قول زيد بن ثابتٍ وزيد بن أسلم (١).

والصّحيح: قولُ الجمهور: إنّ اللَّمَم هو (٢) صِغارُ الذُّنوب، كالنَّظرة والغَمْزة والقُبلة ونحو ذلك. هذا قول جمهور الصَّحابة ومَن بعدهم. وهو قول أبي هريرة، وعبد الله بن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، ومسروقٍ، والشَّعبيِّ (٣).

ولا ينافي هذا قولَ أبي هريرة وابن عبّاسٍ في الرِّواية الأخرى: إنّه أن يلمَّ بالكبيرة ثمّ لا يعود إليها، فإنَّ اللَّمَم إمَّا أن يتناولَ هذا وهذا ويكون على وجهين كما قال الكلبيُّ، أو أنَّ أبا هريرة وابن عبّاسٍ ألحقا مَن ارتكب كبيرةً (٤) مرّةً واحدةً ــ ولم يصرَّ عليها، بل حصلت منه فلتةً في عمره ــ باللَّمَم، ورأيا أنّها إنَّما تتغلَّظ وتكبُر وتعظُم في حقِّ من تكرَّرت منه مرارًا عديدةً. وهذا من فقه الصَّحابة - رضي الله عنهم - وغَورِ علومهم.

ولا ريبَ أنَّ الله يسامحُ عبدَه المرَّةَ والمرَّتَين والثَّلاثَ، وإنّما يُخاف


(١) "تفسير البغوي" (٧/ ٤١٢).
(٢) "إن" ساقطة من م، و"هو" من ش.
(٣) المصدر السابق.
(٤) ع: "الكبيرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>