للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العنَتُ على من (١) اتّخذ الذَّنبَ عادتَه، وتكرَّر منه مرارًا كثيرةً. وفي ذلك آثارٌ سلفيّةٌ، والاعتبارُ بالواقع يدلُّ على هذا. ويُذكَرُ عن عليٍّ - رضي الله عنه - (٢) أنّه رُفِعَ إليه سارقٌ، فأمرَ بقطع يده، فقال: يا أميرَ المؤمنين، والله ما سرقتُ غيرَ هذه المرَّة. فقال: كذبتَ. فلمَّا قُطِعت يُده قال: اصدُقْني، كم لك بهذه مرَّةً؟ فقال: كذا وكذا مرّةً؟ فقال: صدقتَ، إنَّ الله لا يؤاخذ بأوّل ذنبٍ. أو كما قال. فأوّلُ ذنبٍ إن لم يكن هو اللَّمَم، فهو من جنسه ونظيره.

فالقولان (٣) عن أبي هريرة وابن عبّاسٍ متّفقان غيرُ مختلفين. والله أعلم.

وهذه اللَّفظةُ فيها معنى المقاربة والإغباب (٤) بالفعل حينًا بعد حينٍ، فإنَّه يقال: ألمَّ بكذا، إذا قاربه ولم يغشَه. ومن هذا سمِّيت القُبلةُ والغَمْزةُ لَمَمًا، لأنّها تُلِمُّ بما بعدها. ويقال: فلانٌ لا يزورنا إلّا لِمامًا، أي حينًا بعد حينٍ. فمعنى اللَّفظة ثابتٌ في الوجهين اللَّذَين فسَّرت الصَّحابةُ بهما الآية.


(١) ش: "يخاف المقتَ مَن".
(٢) لم أره عن علي - رضي الله عنه -. وقد أخرجه إسماعيل بن جعفر في "أحاديثه" (٩٤) عن حميد عن أنس - رضي الله عنه -، وأبو داود في "الزهد" (٥٤) والبيهقي (٨/ ٢٧٦) من طريق حميد وثابت عن أنس قال: "أُتي عمرُ بشابٍّ قد سرق، فقال: والله ما سرقتُ قبلها قطُّ، فقال عمر: كذبت، والله ما كان الله ليُسلِمَ عبدًا عند أول ذنب". قال ابن كثير في "مسند الفاروق" (٢/ ٣٧٠): "إسناده صحيح". وانظر: "التخليص الحبير" (٥/ ٢٥٠٢).
(٣) ش: "والقولان".
(٤) ج: "الإعتاب" وكذا في النسخ المطبوعة وهو تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>