للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس معنى الآية: الذين (١) يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، إلّا اللَّمَمَ فإنَّهم لا يجتنبونه؛ فإنَّ هذا يكون ثناءً عليهم بترك اجتناب اللَّمَم، وهذا محالٌ. وإنّما هذا استثناءٌ من مضمون الكلام ومعناه، فإنَّ سياقَ الكلام في تقسيم النَّاس إلى محسنٍ ومسيءٍ، وأنَّ الله يجزي هذا بإساءته وهذا بإحسانه. ثمَّ ذكَر المحسنين ووصَفَهم بأنّهم يجتنبون كبائرَ الإثم والفواحش. ومضمونُ هذا: أنّه لا يكون مُحسِنًا مجزيًّا بإحسانه ناجيًا من عذاب الله إلّا من اجتنب كبائر الإثم والفواحش، فحسُن حينئذٍ استثناءُ اللَّمَم، وإن لم يدخل في الكبائر، فإنّه داخلٌ في جنس الإثم والفواحش.

وضابطُ الانقطاع: أن يكون له دخولٌ في جنس المستثنى منه، وإن لم يدخل في نفسه، ولم يتناوله لفظُه، كقوله تعالى: {فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ} [مريم: ٦٢]، فإنَّ السَّلامَ داخلٌ في الكلام الذي هو جنسٌ لِلَّغْو وللسَّلام (٢). وكذلك قوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ: ٢٤ - ٢٥]، فإنَّ الحميمَ والغسَّاقَ داخلٌ في جنس المذوق (٣) المنقسم. فكأنّه قيل في الأوَّل: لا يسمعون فيها شيئًا إلّا سلامًا، وفي الثّاني: لا يذوقون فيها شيئًا إلّا حميمًا وغسَّاقًا (٤). ونصَّ على فردٍ من أفراد الجنس صريحًا، ليكون نفيهُ بطريق التَّصريح والتَّنصيص، لا بطريق العموم الذي يتطرّقَ إليه


(١) في النسخ: "والذين" ذكر الواو في معنى الآية تبعًا للسهو الواقع في نصِّها في النسخ كما سبق (ص ٤٩٢).
(٢) وانظر: "زاد المعاد" (٥/ ١٧٩).
(٣) ل، ج، "الذوق".
(٤) وانظر: "بدائع الفوائد" (٣/ ٩٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>