للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تخصيصُ هذا الفرد. وكذلك قوله: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: ١٥٧]، فإنَّ الظَّنَّ داخلٌ في الشُّعور الذي هو جنسٌ للعلم والظَّنِّ (١).

وأدقُّ من هذا: دخولُ الانقطاع فيما يُفْهِمُه الكلامُ بلازمه، كقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢]، إذ مفهوم هذا أنّ نكاح منكوحات الآباء سببٌ للعقوبة إلّا ما سلَف منه قبل التَّحريم، فإنّه عَفوٌ (٢). وكذلك: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٣]. وإن كان المرادُ به ما كان في شرع من تقدَّم فهو استثناءٌ من القبح المفهوم من ذلك التَّحريم والذَّمِّ لمن فعله، فحسُنَ أن يقال: إلّا ما قد سلَف. فتأمَّلْ هذا، فإنّه من فقه العربيّة (٣).

وأمّا قوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: ٥٦] فهذا الاستثناء هو لتحقيق دوام الحياة وعدم ذوق الموت، وهو يجعل النَّفيَ الأوَّلَ العامَّ بمنزلة النَّصِّ الذي لا يتطرَّق إليه استثناءٌ البتّة، إذ لو تطرَّق إليه استثناءُ فردٍ من أفراده لكان أولى بذكره من العدول عنه إلى الاستثناء المنقطع. فجرى هذا الاستثناءُ مجرى التّأكيد والتّنصيص على حفظ العموم (٤). وهذا جارٍ في كلِّ منقطعٍ، فتأمَّلْه فإنّه من أسرار العربيّة.


(١) وانظر: "بدائع الفوائد" (٣/ ٩٣٨).
(٢) وانظر: "بدائع الفوائد" (٣/ ٩٤١ - ٩٤٢).
(٣) ج: "من الغرائب"، تحريف غريب.
(٤) وانظر: "بدائع الفوائد" (٣/ ٩٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>