للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد قام به ممّا يحبُّه الله ما اقتضى أن يغفِرَ له ويُسامِحَه ما لا يسامِحُ به المشركَ. وكلَّما كان توحيدُ العبد أعظمَ كانت مغفرةُ الله له أتمَّ. فمن لقيه لا يشرك به شيئًا البَتَّةَ غفرَ له ذنوبَه كلَّها، كائنةً ما كانت، ولم يُعذِّب بها.

ولسنا نقول: إنّه لا يدخل النَّارَ أحدٌ من أهل التَّوحيد، بل كثيرٌ منهم يدخل بذنوبه، ويعذَّب على مقدار جُرمه، ثمَّ يخرج منها؛ ولا تنافي بين الأمرين لمن أحاط علمًا بما قدَّمناه. ونزيده هاهنا إيضاحًا لعِظَم هذا المقام من شدَّة الحاجة (١) إليه:

اعلم أنَّ أشعَّةَ لا إله إلّا الله تُقطِّع من ضَبابِ الذُّنوب وغَيمها بقدر قوَّة ذلك الشُّعاع وضَعْفِه، فلها نورٌ، وتفاوتُ أهلها في ذلك النُّور قوّةً وضعفًا لا يحصيه إلّا الله تعالى. فمن النّاس مَن نورُ هذه الكلمة في قلبه كالشَّمس. ومنهم مَن نورُها في قلبه كالكوكب الدُّرِّيِّ. ومنهم مَن نورُها في قلبه كالمِشْعَل العظيم، وآخَرُ كالسِّراج المضيء، وآخَر كالسِّراج الضَّعيف.

ولهذا تظهر الأنوارُ (٢) يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على (٣) هذا المقدار، بحسب ما هو في قلوبهم من نور هذه الكلمة علمًا وعملًا ومعرفةً وحالًا. وكلَّما عظُمَ نورُ الكلمة واشتدَّ أحرَقَ من الشُّبهات والشَّهوات بحسب قوَّته وشدَّته، حتّى إنَّه ربَّما وصل إلى حالٍ لا يصادف شبهةً ولا شهوةً ولا ذنبًا إلَّا أحرَقَه (٤).


(١) ع: "وشدة الحاجة".
(٢) ع: "هذه الأنوار" بزيادة اسم الإشارة.
(٣) ع: "وعلى".
(٤) ما عدا ج، ع: "أحرقته".

<<  <  ج: ص:  >  >>