للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه حالُ الصَّادق في توحيده، الذي لم يُشرك بالله شيئًا. فأيُّ ذنبٍ أو شهوةٍ أو شبهةٍ دنت من هذا النُّور أحرَقَها. فسماءُ إيمانه قد حُرِسَتْ بالنُّجوم من كلِّ سارقٍ لحسناته، فلا ينال منه السَّارقُ إلّا على غِرَّةٍ وغفلةٍ لا بدَّ منها للبشر. فإذا استيقظ وعَلِمَ ما سُرِقَ منه استنقذه من سارقه، أو حصَّل أضعافَه بكسبه. فهو هكذا أبدًا مع لصوص الجنِّ والإنس، ليس كمن فَتَح لهم خِزانتَه (١)، وولّى البابَ ظهرَه.

وليس التَّوحيدُ مجرَّدَ إقرارِ العبد بأنَّه لا خالقَ إلّا الله وأنَّ الله ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه، كما كان عبَّادُ الأصنام مقرِّين بذلك وهم مشركون. بل التَّوحيدُ يتضمَّن من محبّةِ الله، والخضوعِ له، والذُّلِّ له، وكمالِ الانقياد لطاعته، وإخلاصِ العبادة له، وإرادةِ وجهه الأعلى بجميع (٢) الأقوال والأعمال، والمنع والعطاء، والحبِّ والبغض= ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الدَّاعية إلى المعاصي والإصرار عليها.

ومَن عرَف هذا عرَف قولَ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله حرَّم على النّار مَن قال: لا إله إلّا الله، يبتغي بذلك وجه الله" (٣)، وقوله: "لا يدخُل النّارَ مَن قال: لا إله إلّا الله" (٤)، وما جاء من هذا الضّرب من الأحاديث التي أشكلت على كثيرٍ من النّاس، حتّى ظنَّها بعضُهم منسوخةً، وظنَّها بعضُهم قبلَ ورود الأوامر والنَّواهي واستقرار الشَّرع. وحمَلهَا بعضُهم على نار المشركين والكفّار،


(١) ع: "انفتح له خزانة أعماله"!
(٢) ل، م: "فجميع"، تصحيف.
(٣) أخرجه البخاري (٤٢٥)، ومسلم (٣٣) من حديث عِتبان بن مالكَ - رضي الله عنه -.
(٤) جاء نحوه في الحديث السابق عند مسلم (٣٣/ ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>