للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتفاضَلُ بتفاضُلِ ما في القلوب. فتكون صورةُ العمَلَين واحدةً، وبينهما في التّفاضل كما بين السَّماء والأرض. والرَّجلان يكون مقامُهما في الصَّفِّ واحدًا، وبين صلاتيهما كما بين السَّماء والأرض.

وتأمَّلْ حديثَ البطاقة (١) التي تُوضَع في كِفَّةٍ، ويقابلها تسعةٌ وتسعون سجلًّا، كلُّ سجلٍّ منها مدَّ البصر، فتثقُل البطاقةُ، وتطيش السِّجلّات، فلا يعذَّب. ومعلومٌ أنَّ كلَّ موحِّدٍ فله مثلُ هذه البطاقة، وكثيرٌ منهم يدخل النَّارَ بذنوبه، ولكنَّ السِّرَّ الذي ثقَّل بطاقةَ ذلك الرَّجل وطاشت لأجله السِّجلَّاتُ، لمَّا لم يحصُل لغيره من أرباب البطاقات انفردت بطاقتُه بالثِّقل والرَّزانة.

وإذا أردتَ زيادة إيضاحٍ لهذا، فانظُر إلى ذكر مَن قلبُه ملآنُ بمحبّتك، وذكرِ مَن هو معرضٌ عنك، غافلٌ ساهٍ، مشغولٌ بغيرك، قد انجذبت دواعي قلبه إلى محبَّة غيرك وإيثاره عليك، هل يكون ذكرهما لك واحدًا؟ أم هل يكون ولداك اللَّذان هما بهذه المثابة، أو عبداك، أو زوجتاك= عندك سواءً؟

وتأمَّلْ ما قام بقلب قاتلِ المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السِّياق عن السَّير إلى القرية، وحَمَلتْه ــ وهو في تلك الحال ــ على أن


(١) يريد الحديث: "إن الله عزَّ وجل يستخلص رجلًا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلًّا، كل سجل مدّ البصر ... ". أخرجه أحمد (٦٩٩٤، ٧٠٦٦) والترمذي وحسنه (٢٦٣٩) وابن ماجه (٤٣٠٠) وابن حبان (٢٢٥) والآجري في "الشريعة" (٩٠٢) والطبراني في "الكبير" (١٣/ ٢٩) والحاكم (١/ ٦، ٥٢٩) وغيرهم من طرق حِسانٍ عن عبد الله بن يزيد الحُبُلي المعافري عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - مرفوعًا. والحديث قد صححه الألباني في "الصحيحة" (١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>