للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأينا ــ واللهِ ــ منهم هذا عيانًا، ورمَونا بعداوتهم، وبغَوا لنا الغوائل، والله مخزيهم في الدُّنيا والآخرة. ولم تكن حجَّتُهم إلّا أن قالوا كما قال إخوانهم: عاب آلهتنا، فقال هؤلاء: تنقَّصتم مشايخَنا وأبوابَ حوائجنا إلى الله تعالى. وهكذا قال النَّصارى للنّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لمَّا قال لهم: إنَّ المسيحَ عبدٌ قالوا: تنقَّصتَ المسيحَ وعِبْتَه (١)! وهكذا قال أشباهُ المشركين لمن منع اتِّخاذَ القبور أوثانًا تُعْبَد (٢) ومساجدَ، وأمَر بزيارتها على الوجه الذي أذِن الله فيه ورسوله، قالوا: تنقَّصتَ أصحابَها!

فانظر إلى هذا التَّشابه بين قلوبهم، حتّى كأنَّهم قد تواصَوا به! و {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ فَهُوَ (٣) وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: ١٧].

وقد قطَع تعالى الأسباب التي يتعلَّق بها المشركون جميعَها قطعًا يعلم مَن تأمَّلَه وعرَفَه أنَّ من اتّخذ من دون الله وليًّا أو شفيعًا، فهو كمثل العنكبوت اتّخذت بيتًا، وإنَّ أوهنَ البيوت لَبيتُ العنكبوت، فقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: ٢٢ - ٢٣].

فالمشرك إنّما يتّخذ معبوده لما يحصل له به من النَّفع، والنَّفعُ لا يكون


(١) لعله يشير إلى قصة وفد نجران ومجادلتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم -. انظر: "سيرة ابن هشام" (١/ ٥٧٥ - ٥٧٦)، و"تفسير الطبري" (٥/ ١٧٢ - ١٧٤).
(٢) "تعبد" ساقط من ل.
(٣) هكذا بالياء في النسخ على قراءة أبي عمرو وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>